الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17141 7604 - (17591) - (4\175 - 176) عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ، أن أباه، أخبره، أنه سمع سراقة، يقول: " جاءنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتلهما، أو أسرهما، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي، بني مدلج، أقبل رجل منهم حتى قام علينا، فقال: يا سراقة، إني رأيت آنفا أسودة بالساحل، إني أراها محمدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت: إنهم ليسوا بهم، ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلقا آنفا. قال: ثم لبثت في المجلس ساعة، حتى قمت، فدخلت بيتي، فأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي، وهي من وراء أكمة، فتحبسها علي، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فخططت برمحي الأرض، وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي، فركبتها، فرفعتها تقرب بي، حتى رأيت أسودتهما.

فلما دنوت منهم حيث يسمعهم الصوت، عثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت، فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها، أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره: أن لا أضرهم، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، فرفعتها تقرب بي، حتى إذا دنوت منهم، عثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت، فأهويت بيدي إلى كنانتي، فأخرجت الأزلام، فاستقسمت بها، فخرج الذي أكره: أن لا أضرهم، فعصيت الأزلام، وركبت فرسي، فرفعتها تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر [ ص: 274 ]

الالتفات
ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها، فزجرتها، ونهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان.

قال معمر: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما العثان؟ فسكت ساعة، ثم قال: هو الدخان من غير نار.

قال الزهري في حديثه: فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره: أن لا أضرهم، فناديتهما بالأمان، فوقفا، فركبت فرسي حتى جئتهم، فوقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أنه سيظهر أمر رسول الله. فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم، وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزؤوني شيئا، ولم يسألوني، إلا أن: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لي في رقعة من أديم ثم مضى ".


التالي السابق


* قوله : "المدلجي ": - بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم - .

* "سراقة بن جعشم ": هكذا في غالب روايات البخاري، وهو نسبة إلى الجد، وفي رواية: سراقة بن مالك جعشم، والجعشم - بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة - .

* "دية كل واحد منهما": هي مئة من الإبل، جاء أنهم طافوا جبال مكة في طلبهما، حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا، وكان مواجهه، فقال: "كلا، إن الملائكة تسترنا بأجنحتها"، فجلس ذلك الرجل يبول مواجه الغار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لو كان يرانا، ما فعل هذا" .

* "آنفا": هذه الساعة . [ ص: 275 ]

* "أسودة": أشخاصا .

* "إنهم ليسوا بهم ": أي: لئلا يشاركني أحد في الدية .

* "انطلق ": أي: كل منهما .

* "أن تخرج": من الإخراج .

* "أكمة": - بفتحات - ، وهي دون الجبل، وأعلى من الرابية .

* "فخططت ": - بالخاء المعجمة - ، وجاء - بالإهمال - ، والمراد: أنه جعل نصل الرمح إلى الأرض حتى لا يظهر بريقه للبعيد خوفا من المشاركة .

* "وخفضت عالية الرمح ": كالتفسير السابق.

* "فرفعتها": أي: رفعت عالية الرمح.

* "تقرب ": من التقريب; أي: تقربني إليهما بالجري، وقيل: التقريب: السير دون العدو وفوق العادة، وقيل: هو أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا .

* "حيث يسمعهم ": من الإسماع.

* "الصوت ": - بالرفع - فاعل الإسماع.

* "فأهويت بيدي ": أي: بسطتها.

* "الأزلام ": هي سهام يعرفون بها الغيب، والاستقسام: كيفية المعرفة.

* "أضرهم ": من الضرر .

* "ساخت يدا فرسي ": أي: غاصتا في الأرض، جاء أن ذلك كان بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفنا بما شئت " . [ ص: 276 ]

* "فلم تكد تخرج ": من الإخراج.

* "عثان ": - بضم مهملة بعدها مثلثة خفيفة آخره نون - ; أي: دخان " والمراد: غبار; كما في رواية .

* "بالأمان ": أي: بأنكما في أمان مني .

* "الزاد والمتاع": أي: خذوا مني .

* "فلم يرزؤوني": - بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة آخره همزة - ; أي: لم ينقصوني شيئا بأن يأخذوه من مالي .

* "أن أخف ": أمر من الإخفاء.

* "موادعة ": مصالحة.

* "آمن ": - بالمد - ; أي: أكون في أمن إن حصل له صلى الله عليه وسلم ظفر .

* * *




الخدمات العلمية