الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وأما أحاديث إثبات كون البسملة من الفاتحة ، فمنها : ما رواه البخاري عن قتادة قال : سئل أنس " كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال كانت مدا ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . ويمد بالرحمن وبالرحيم " . وروى عنه الدارقطني من طريقين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة " .

                          [ ص: 74 ] ومنها : حديث أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : " كان يقطع قراءته آية آية : ( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) رواه أحمد وأبو داود بهذا اللفظ وغيرهما .

                          ومنها ما رواه النسائي وغيره عن نعيم المجمر . قال : " صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قرأ بأم القرآن " . وفيه يقول إذا سلم : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، قال : على شرط البخاري ومسلم وأقره الحافظ الذهبي . وقال البيهقي : صحيح الإسناد وله شواهد . وقال أبو بكر الخطيب فيه : ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل ، وروي عن أبي هريرة حديثان آخران بمعناه ، وثق بعضهم جميع رجالهما وتكلم بعضهم في بعضهم .

                          ومنها : حديث علي - رضي الله عنه - سئل عن السبع المثاني فقال : ( الحمد لله رب العالمين ) قيل : إنما هي ست فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . ورواه الدارقطني وإسناده كلهم ثقات لم يطعنوا في أحد منهم ، وله حديثان آخران عنه وعن عمار بن ياسر في إثبات جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبسملة في صلاته قد تكلموا في سندها .

                          ومنها حديث أنس : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " رواه الحاكم وقال : ورواته عن آخرهم ثقات ، وأقره الحافظ الذهبي .

                          وقد أورد الشوكاني في نيل الأوطار هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها من الروايات الضعيفة الأسانيد الصحيحة المتون ، وذكر حمل الروايات الصحيحة من أحاديث النفي المعارضة لها على عدم الجهر بالبسملة من باب حمل المطلق على المقيد وهو ترك الجهر ، ثم قال :

                          " إذا كان محصل أحاديث نفي البسملة هو نفي الجهر بها ، فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه . قال الحافظ - ابن حجر - لا بمجرد تقديم رواية المثبت على النافي - أي كما هي القاعدة - لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة عشر سنين ويصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلا يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة ، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم ، كأنه لبعد عهده به لم يذكر منه إلا الجزم بالافتتاح بالحمد لله جهرا ، فلم يستحضر الجهر بالبسملة ، فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر أ هـ .

                          أقول : وقد تقدم نص الرواية عنه بنسيان هذا الحكم آنفا فعد حديثه مضطربا لا يحتج به .

                          [ ص: 75 ] قال الحافظ ابن عبد البر بعد سرده روايات حديثه في الاستذكار : هذا الاضطراب لا تقوم معه حجة . وقد سئل عن ذلك أنس فقال : كبرت سني ونسيت . أ هـ

                          وقد روى الطبراني في الكبير والأوسط في سبب ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهر بالبسملة في الصلاة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان المشركون يهزءون بمكاء وتصدية ، ويقولون : محمد يذكر إله اليمامة - وكان مسيلمة الكذاب يسمى رحمن - فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ) فتسمع المشركين فيهزءوا بك ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم . وقد قال في مجمع الزوائد : إن رجاله موثقون . وقال الحكيم الترمذي . فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة . وجمع به القرطبي بين الروايات .

                          وقال ابن القيم في زاد المعاد : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفتها أكثر مما جهر بها إلخ " . وهذا القول معقول ، وإذا صح أن سببه ما رواه الطبراني واعتمده القرطبي والنيسابوري والحكيم الترمذي يكون ترك الجهر في أول الإسلام بمكة وأوائل الهجرة ، والجهر فيما بعده ، وقد علمت ما في حديثي أنس وأبي قتادة المخالفين لهذا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية