الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 156 ] المسألة الرابعة : قوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } : إباحة لقتالهم وقتلهم إلى غاية هي الإيمان ; فلذلك قال ابن الماجشون وابن وهب : لا تقبل من مشركي العرب جزية .

                                                                                                                                                                                                              وقال سائر علمائنا : تؤخذ الجزية من كل كافر ; وهو الصحيح ، وسمعت الشيخ الإمام أبا علي الوفاء بن عقيل الحنبلي إمامهم ببغداد يقول في قوله تعالى { : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .

                                                                                                                                                                                                              إن قوله تعالى { : قاتلوا } أمر بالقتل .

                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى { : الذين لا يؤمنون بالله } سبب للقتال وقوله تعالى { : ولا باليوم الآخر } إلزام للإيمان بالبعث الثابت بالدليل .

                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى : { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } بيان أن فروع الشريعة كأصولها وأحكامها كعقائدها .

                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى { : ولا يدينون دين الحق } أمر بخلع الأديان كلها إلا دين الإسلام .

                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى : { من الذين أوتوا الكتاب } تأكيد للحجة ، ثم بين الغاية وبين إعطاء الجزية ، وثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر } . خرجه البخاري وغيره .

                                                                                                                                                                                                              { وقال المغيرة بن شعبة في قتاله لفارس : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقاتلكم حتى [ ص: 157 ] تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا أو تؤدوا الجزية } . { وقال النبي عليه السلام لبريدة : ادعهم إلى ثلاث خصال ، وذكر الجزية } ، وذلك كله صحيح .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فهل يكون هذا نسخا أو تخصيصا ؟ فلنا : هو تخصيص ; لأنه سبحانه أباح قتالهم وأمر به حتى لا يكون كفر ، ثم قال تعالى : [ { حتى يعطوا الجزية عن يد } ] ; فخصص من الحالة العامة حالة أخرى خاصة ، وزاد إلى الغاية الأولى غاية أخرى ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم { : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله } .

                                                                                                                                                                                                              وقال في حديث آخر : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة } .

                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر في حديث آخر الصوم والحج ، ولم يكن ذلك نسخا ، وإنما كان بيانا وكمالا .

                                                                                                                                                                                                              وكذلك : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق } ، ثم بين القتل في مواضع لعشرة أسباب سنبينها في موضعها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية