الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        96 79 - مالك ، عن نافع ، عن سالم بن عبد الله ؛ أنه قال : كنت مع عبد الله بن عمر في سفر ، فرأيته ، بعد أن طلعت الشمس ، توضأ ثم صلى . قال : فقلت له : إن هذه لصلاة ما كنت تصليها . قال إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي . ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت ، وعدت لصلاتي .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        2578 - وروى ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أنه صلى بهم بطريق مكة العصر ، قال : فركبنا فسرنا ما قدر لنا أن نسير ، ثم أناخ ابن عمر فتوضأ ، فصلى العصر وحده ، فسلم . فقلت له : صليت معنا العصر . أفنسيت ؟ قال : لم أنس ، ولكن مسست ذكري قبل أن أصلي . فلما ذكرت ذلك توضأت وعدت لصلاتي .

                                                                                                                        [ ص: 37 ] 2579 - وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا قول ابنه عبد الله بن عمر ، حدثنا قاسم ومحمد بن عبد الله بن حكم ، قالا : حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي ، قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال حدثنا نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن مليكة ، عن عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه ، فأشار إليهم : كما أنتم ، فخرج فتوضأ ، ثم رجع إليهم .

                                                                                                                        2580 - قال أبو عمر : أما أهل العراق فجمهور علمائهم على أن لا وضوء في مس الذكر ، وعلى ذلك مضى أسلافهم بالكوفة والبصرة .

                                                                                                                        2581 - وورد ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس ، وأبي الدرداء ، وعمران بن حصين ؟ لم يختلف عن هؤلاء في ذلك .

                                                                                                                        2582 - واختلف فيه عن أبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، فروي عنهما القولان جميعا .

                                                                                                                        2583 - وبإسقاط الوضوء منه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وسفيان الثوري ، وشريك ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وعبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                        [ ص: 38 ] 2584 - ذكر عبد الرزاق عن الثوري قال : دعاني ، وابن جريج بعض أمرائهم ، فسألنا عن مس الذكر . فقال ابن جريج : يتوضأ من مس الذكر ، وقلت أنا : لا وضوء من مس الذكر . فلما اختلفنا قلت لابن جريج : أرأيت لو أن رجلا وضع يده في مني . قال : يغسل يده . قلت : فأيما أنجس : المني ، أم الذكر ؟ قال : المني . فقلت : فكيف هذا ؟ قال : ما ألقاها على لسانك إلا شيطان ! ! .

                                                                                                                        2585 - قال أبو عمر : يقول الثوري : إذا لم يجب الوضوء من مس المني - فأحرى ألا يجب من مس الذكر . وإذا لم يجب من النجس فأحرى ألا يجب من الطاهر .

                                                                                                                        2586 - وإنما ساغت المناظرة في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي - عليه السلام - واختلاف أصحابه - رحمهم الله - ومن بعدهم في ذلك . ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن لسلم الجميع له ، وقال به .

                                                                                                                        2587 - ومن ذهب مذهب العراقيين في مس الذكر من أهل الحديث ضعف الأحاديث الواردة عن النبي - عليه السلام - في إيجاب الوضوء فيه ، وعللها ، ولم يقبل شيئا منها .

                                                                                                                        2588 - وقد حكى أبو زرعة عن ابن معين أنه قال : أي إسناد رواية مالك في حديث بسرة لولا أن قاتل طلحة في الطريق ! .

                                                                                                                        2589 - قال أبو عمر : الحديث المسقط للوضوء من مس الذكر أحسن أسانيده ما رواه مسدد وغيره ، عن ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن زيد ، عن قيس بن طلق بن علي قال : قدمنا على النبي - عليه السلام - فجاءه رجل [ ص: 39 ] كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ ؟ فقال : " وهل هو إلا بضعة منه " .

                                                                                                                        2590 - ورواه أيوب قاضي اليمامة ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه عن النبي عليه السلام .

                                                                                                                        2591 - ورواه هشام بن حسان ، وشعبة ، والثوري ، وابن عيينة ، وجرير الرازي عن محمد بن جابر اليمامي ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه مثله .

                                                                                                                        2592 - وهذا حديث انفرد به أهل اليمامة ، وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد .

                                                                                                                        2593 - وقد استدل جماعة من العلماء على أنه منسوخ بحديث بسرة وما [ ص: 40 ] كان مثله بأن إيجاب الوضوء منه مأخوذ من جهة الشرع لا ينفي العقل التعبد به ولا يوجبه ؛ لاجتماعه مع سائر الأعضاء ، فمحال أن يتقدم الشرع بتخصيص إيجاب الوضوء منه من بين سائر الأعضاء .

                                                                                                                        2594 - ثم قال " إنما هو بضعة منك " وقد كان خصها بحكم شرعه وجائز أن يجب منه الوضوء بعد ذلك القول شرعا حادثا ؛ لأنه يحدث من أمره لعباده ما يشاء .

                                                                                                                        2595 - وفي مس الذكر من معناه مسائل كثيرة تنازع العلماء فيها قد [ ص: 41 ] ذكرناها في التمهيد .




                                                                                                                        الخدمات العلمية