الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وإذا استعمل ما ظنه ) الطاهر من الماءين بالاجتهاد أي كله أو بعضه ( أراق ) ندبا ( الآخر ) إن لم يحتجه وقيد بالاستعمال بفرض أنه لم يرد باستعمال أراد ؛ لأنه لا يتحقق الإعراض عن الآخر إلا به غالبا فلا ينافي أن المعتمد ندب الإراقة قبله لئلا يغلط ويتشوش ظنه ( فإن تركه ) بلا إراقة فإن لم يبق من الأول بقية لم يجز الاجتهاد ؛ لأن شرطه على الأصح عند المصنف أن يكون في متعدد حقيقة فلا يجوز في كمين لثوب مثلا ما داما متصلين به .

                                                                                                                              وزعم أنه إذا تلف أحدهما ينبغي استعمال الباقي بلا اجتهاد كالمشكوك في نجاسته نظرا للأصل مردود بأن باب الاجتهاد ترك فيه الأصل بالشك أي أصل الطهارة وأصل عدم وقوع النجس في كل إناء بخصوصه كما ترك الأصل في ظبية رئيت تبول في ماء كثير ، ثم رئي عقب البول متغيرا عملا بالظاهر لقوته باستناده لمعين مع ضعف احتمال خلافه ، وإن بقي من الأول بقية وإن قلت لوجوب استعمال الناقص لزمه عند إرادة الوضوء إعادة الاجتهاد فإن وافق الأول فواضح ( و ) إن ( تغير ظنه ) فيه [ ص: 111 ] ( لم يعمل بالثاني ) من ظنيه ( على النص ) لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل جميع ما أصابه الأول أو يصلي بيقين النجاسة إن لم يغسله والتزام المخرج الأول قياسا على القبلة بعيد ؛ لأن أحد هذين الفسادين لا يأتي في العمل بالثاني فيها لاحتمال الجهة الثانية للصواب كالأولى فلم يلزم عليه نقض اجتهاد أصلا ، وأخذ البلقيني مما ذكر [ ص: 112 ] أنه لو غسل بين الاجتهادين جميع ما أصابه بماء غيرهما عمل الثاني إذ لا يلزم عليه ما ذكر وحينئذ هو نظير مسألة القبلة وظاهر كلامهم الإعراض عن الظن الثاني ، وما يترتب عليه حينئذ فلو تغير اجتهاده ووضوءه الأول باق صلى به ولا نظر لظنه نجاسة أعضائه الآن لما علمت من إلغاء هذا الظن لما يلزم عليه من الفساد المذكور ( بل يتيمم ) بعد نحو الخلط لا قبله كما مر ( بلا إعادة ) حيث لم يغلب وجوده في محل التيمم ( في الأصح ) ؛ لأنه ليس مع طاهر بيقين ولا نظر إلى أن معه طاهرا بالظن ؛ لأنه لا عبرة بهذا الظن لما يلزم عليه من الفساد كما تقرر .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              ما قررت به المتن من فرض قوله وتغير ظنه فيما إذا بقي من الأول بقية ، إنما هو ليأتي على طريقته أنه لا يجوز الاجتهاد إلا في متعدد ومن التقييد بنحو الخلط إنما هو ليصح قوله بلا إعادة لما علم من قوله بل يخلطان ، ثم يتيمم إن شرط صحة التيمم تلفهما أو تلف أحدهما ، وأما اشتراط أن لا يغلب وجود الماء فمعلوم من كلامه في التيمم فعلم أنه لا اعتراض عليه بوجه ، وأنه يصح تخريج كلامه على طريق الرافعي أيضا من جواز الاجتهاد مع عدم التعدد ، وأنه لا يحتاج عليها في عدم الإعادة إلى تقييد بنحو خلط ؛ لأنه ليس معه إلا إناء واحد فلا طهور معه بيقين هذا كله مع قطع النظر عن قوله في الأصح فمع النظر إليه يتعين تخريجه على رأي الرافعي فقط ؛ لأنه لا يظهر مقابل الأصح مع نحو الخلط المشترط على رأي المصنف بل مع وجود واحد فقط ؛ لأنه طاهر بالظن .

                                                                                                                              وزعم بعضهم تخالفهما في الإعادة فهي على طريقة الرافعي لا تجب وعلى طريقة المصنف تجب ؛ لأن معه طهورا بيقين [ ص: 113 ] غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا بما قدمه من أن الخلط أي أو نحوه شرط لصحة التيمم وهذا الذي سلكته في تقرير عبارته من التفصيل أولى مما وقع للمتكلمين عليه من إطلاق بعضهم تخريج كلامه على الرأيين وبعضهم حصره على رأي الرافعي وعلم مما مر في الماء والبول أن شرط الاجتهاد [ ص: 114 ] أيضا أن يتأيد بأصل حل المطلوب فلا يجتهد عند اشتباه خل بخمر أو لبن أتان بلبن مأكول أو مذكاة بميتة ومما سيذكره في موانع النكاح أن شرطه أيضا أن يكون للعلامة فيه مجال ومن ثم لم يجتهد في صورة اختلاط المحرم الآتية .

                                                                                                                              ثم ومما قدمته في المتحير أنه يشترط للعمل به ظهور العلامة فلا يجوز له الإقدام على أحدهما بمجرد الحدس والتخمين كما مر ، وإنما كان هذا شرطا للعمل بخلاف ما قبله ؛ لأن تلك إذا وجدت اجتهد ، ثم إن ظهر له شيء عمل به وإلا فلا فما دل عليه ظاهر الروضة تبعا للغزالي من أن الأخير شرط للاجتهاد أيضا غير مراد وعن بعض الأصحاب اشتراط كونهما لواحد ، وإلا تطهر كل بإنائه كما في إن كان ذا غرابا فهي طالق وعكسه الآخر ولم يعلم فإن زوجة كل تحل له ورد بأن الوطء يستدعي ملك الواطئ للمحل ، والوضوء يصح بمغصوب وأوضح منه أنه لا مجال للاجتهاد في الأبضاع فأبقينا كلا على أصل الحل إذ لا نية ثم تتأثر بالشك ، وهنا له مجال من حيث إنه يصح من كل النظر في الطاهر منهما فوجب لتأثر النية بالشك في حق كل منهما .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لزمه عند إرادة الوضوء إعادة الاجتهاد ) يمكن أن يكون محله ما إذا لم يكن ذاكرا لدليل الاجتهاد الأول أو قام عنده [ ص: 111 ] معارض أما لو كان ذاكرا له ولا معارض فلا يبعد جواز استعماله تلك البقية من غير إعادة الاجتهاد استصحابا بالحكم الاجتهاد الأول وهو ظاهر بل لو كان أتلف الآخر .

                                                                                                                              وقد بقي من الأول بقية واحتاج للوضوء وهو ذاكر الدليل من غير معارض لم يبعد أيضا جواز التطهر به ، وليس فيه اجتهاد في غير متعدد إذ ليس هنا اجتهاد جديد بل استصحاب الحكم الأول فليراجع ( قوله لم يعمل بالثاني إلخ ) ينبغي أن يجوز للأعمى المتحيز تقليد البصير في اجتهاده الثاني المتغير به ، والعمل به حيث لم يكن قلده في الأول ، وعمل به بأن لم يكن قلده فيه أو قلده فيه ولم يعمل به ، وذلك لأن البصير إنما لم يعمل بالثاني المغير لمانع هو لزوم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، وهذا المانع مفقود في حق الأعمى .

                                                                                                                              وقياس ذلك أنه لو باع الأول أو بعضه وهو صحيح كما يأتي في البيع ثم اجتهد ثانيا ، وتغير اجتهاده إلى طهارة الثاني أن يصح بيعه أيضا وهل يحل له أكل الثمنين القياس حل ذلك ظاهرا وفي حلهما معا باطنا نظر ، والوجه حرمة أحدهما ظاهرا أيضا لا يقال إذا تغير اجتهاده تبين بطلان الأول ؛ لأنه ممنوع لأنه صح بيع الأول قبل التغير وتعلق به حق ثالث فلا يؤثر فيه التغير فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله لم يعمل بالثاني على النص ) سيأتي في شروط الصلاة فيما لو اجتهد في ثوبين أنه يعمل بالثاني بشرط مذكور ثم ( قوله لئلا ينقض الاجتهاد إلخ ) هذا لا يأتي إذا كان الاجتهاد بين طهور ومستعمل إذ لا يأتي فيه هذا الترديد ؛ لأن المستعمل طاهر فلا يحتاج لغسل الأعضاء منه فيتجه فيه العمل بالثاني مطلقا ( قوله بالاجتهاد ) أي مع أن الاجتهاد الثاني اجتهاد صحيح في نفسه بدليل ما يأتي عن البلقيني ( قوله والتزام المخرج ) المقابل للنص ( قوله [ ص: 112 ] لو غسل بين الاجتهادين إلخ ) لو كان في هذه الصورة باع الأول قبل تغير الاجتهاد لم يؤثر في صحة البيع تغير الاجتهاد فلو باع الآخر بعد تغير الاجتهاد إلى طهارته ، وغسل الأعضاء بينهما صح أيضا ، وهل له أكل الثمنين باطنا فيه نظر والوجه لا ؛ لأن أحد البيعين باطل يقينا فثمنه غير مملوك ( قوله بماء غيرهما ) قضيته أن العمل بالثاني مع إيراد الماء الآخر موارد الأول لا ينتفي معه لزوم ما ذكر وفيه نظر ؛ لأنه يحتمل أن يكون النجس هو الأول وبإيراد الثاني موارده يصيره طاهرا ، ومع ذلك لا تكون الصلاة بيقين النجاسة ، وإيضاح ذلك أن من لوازم العمل بالثاني غسل الأعضاء بالماء الآخر مع احتمال أن يكون النجس ما استعمله أو لا فتطهر الأعضاء بالماء الثاني ، وحينئذ لا يلزم كون الصلاة بيقين النجاسة إلا أن يراد بقولهم أو يصلي بيقين النجاسة إن لم يغسل ما أصابه الأول من غير أعضاء الوضوء فإن غسل ذلك ليس لازما لاستعمال الآخر في الطهارة فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله ووضوء الأول باق صلى به ) هذا هو الوجه ، ويدل عليه أنه عند تغيره تصح صلاته وإن لم يطهر ما أصابه الماء الأول ، ثم رأيت أن ابن العماد قال فإن كان على طهارته لم تجب إعادته إلا إن تغير اجتهاده قبل الحدث فلا يصلي بتلك الطهارة لاعتقاده الآن بطلانها فهو كما لو أحدث واجتهد ، وتغير اجتهاده قبل ، وهو ظاهر انتهى وفيه نظر ( قوله في محل التيمم ) سيأتي في باب التيمم بهامشه ما يؤخذ منه أن المعتبر محل الصلاة ( قوله ولا نظر إلى أن معه ماء طاهر بالظن ) انظر هذا مع قوله السابق بعد نحو الخلط ؛ لأنه إذا وقع التيمم بعد نحو الخلط لم يبق معه طاهر بالظن [ ص: 113 ] ويجاب بمنع ذلك إذا خلط مما ظنه في الآخر ( قوله غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا إلخ ) اعلم أن الجلال المحلي بين أن في وجوب الإعادة على كل من طريق الرافعي وطريق المصنف خلافا إلا أن الأصح منه على طريق الرافعي أي بأن لم تبق من الأول بقية عدم الوجوب ، وعلى طريق المصنف بأن بقي الوجوب وبين أيضا أن محل خلاف الإعادة فيهما إذا لم يرق الباقي في الأول ، ولم يرقهما في الثاني قبل الصلاة فيهما فإن أراق ما ذكر قبلها فلا إعادة جزما لكن اعتباره كون الإراقة وقبل الصلاة ينبغي أن يكون ضعيفا أو فيه تجوز ، وإلا فالمعتمد أن المعتبر كون الإراقة قبل التيمم إذا علمت ذلك علمت أن حكاية الخلاف في الإعادة تقتضي التصوير بما إذا انتفت الإراقة ونحوها إذ لو لم تنتف كان عدم الإعادة مجزوما به ، وحينئذ فالمسألة مصورة بما إذا انتفت الإراقة ونحوها ، وإذا كانت مصورة بذلك تعين ما قاله البعض المذكور من التخالف في الإعادة وإجراء الكلام هنا على إطلاقه إذ تقييده ينافي ذكر الخلاف فقوله إن زعم البعض المذكور غفلة فيه نظر بل لعله غفلة ومن هنا يظهر ما في قوله لا يظهر مقابل الأصح إلخ ؛ لأنه يرد عليه أن مقابل الأصح لا يأتي أيضا على طريق الرافعي إذا حصلت الإراقة التي هي أقوى من نحو الخلط بل الوجه أن يقال في توجيه تعين التخريج على رأي الرافعي ؛ لأنه لا يأتي تصحيح عدم الإعادة على طريق المصنف بل المصحح حينئذ هو الإعادة فأحسن التأمل بالإنصاف ( قوله أولى ) انظر ما معنى الأولوية مع اعترافه بأن حمل كلامه على غير رأي الرافعي ينافي قوله في الأصح [ ص: 114 ] حيث قال فمع النظر إليه إلخ وكيف يدعي أولوية تفصيل في كلامه مع منافاته له ( قوله أو مذكاة بميتة ) قال في شرح العباب عقبه بخلاف ما لو اشتبهت مذكاة غير مسمومة بمذكاة مسمومة فإن له الاجتهاد فيهما قطعا ؛ لأنهما مباحان طرأ على أحدهما مانع ذكره في المجموع عن القاضي قال وهو واضح انتهى

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              ينبغي جواز الاجتهاد إذا اشتبه اختصاصه باختصاص غيره ليتميز له اختصاصه فيتصرف فيه بما يسوغ له فيه ( قوله ومن ثم لم يجتهد في صورة اختلاط المحرم الآتية ) أي لم يجب الاجتهاد وإن جاز مع العمل به فيما إذا اختلطت بغير محصور بل لعله أولى قال في شرح العباب ، واستشكل بأنهم جعلوا للقائف أن يلحق اعتمادا على الشبه ، ورتبوا عليه حل النكاح تارة وحرمته أخرى والإرث وغيره وكان قياس ذلك أن للقائف الاجتهاد هنا بالأولى ، قال الزركشي وهو إشكال قوي ا هـ .

                                                                                                                              وقد يجاب بأن إلحاق القائف حكم وهو من الحاكم إنما ينفذ على غيره ، وعليه فلا ينفذ لنفسه ولا عليها ومن ثم لم يجز للقائف أن يجتهد ويحكم لنفسه هنا مطلقا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ورد إلخ ) وعلى هذا فإن ظن بالاجتهاد ماء لنفسه استعمله وماء لغيره اجتنب ما لنفسه واستعمل ما لغيره إن تمكن منه بطريقه الشرعي وإلا تيمم .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله الطاهر ) إلى قوله فلا يجوز في المغني ( قوله الطاهر ) أي الطهور نهاية ( قوله ندبا ) وقيل وجوبا مغني ( قوله إن لم يحتجه ) أي لنحو عطش نهاية لعل المراد لعطش دابة وكذا آدمي خاف من العطش تلف نفس أو عضو أو منفعته وإلا لم يجز شربه ؛ لأنه له حكم النجس سم على المنهج ع ش عبارة المغني إذا لم يخف العطش ليشربه إذا اضطر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بفرض أنه لو يرد إلخ ) أشار به إلى إمكان حمل كلام المتن عليه كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ كما صرح به أي الإمكان المغني ، وحمله عليه أي معنى الإرادة النهاية ( قوله إلا به ) أي بالاستعمال ( قوله لئلا يغلط إلخ ) علل المغني ندب الإراقة قبل الاستعمال بلئلا يغلط فيستعمله وندبها بعد الاستعمال بلئلا يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الأمر ا هـ .

                                                                                                                              وظاهر أن كلا من التعليلين يجري في كل من الإراقتين ( قوله بلا إراقة فإن لم يبق إلخ ) عبارة المغني أي لم يرقه وصلى بالأول الصبح مثلا ، ثم حضرت الظهر وهو محدث ولم يبق من الأول شيء إلخ ( قوله في متعدد حقيقة ) أي ابتداء وانتهاء شرح بافضل ( قوله فلا يجوز في كمين إلخ ) أي وفي إحدى يديه المتصلتين ببدنه بل يجب غسلهما لتصح صلاته وفي الإيعاب لو اشتبه نجس في أرض واسعة صلى فيها إلى بقاء قدره أو ضيقة غسل جميعها انتهى ا هـ كردي ( قوله به ) أي بالثوب ( قوله في ماء كثير ) أي غير متغير أخذا مما بعده ( قوله وإن بقي من الأول ) إلى قوله ، وظاهر كلامهم في النهاية وإلى قوله المتن بل يتيمم في المغني إلا ما أنبه عليه ( قوله لزمه عند إرادة الوضوء إلخ ) أي إذا لم يكن متذكرا للعلامة الأولى مغني ، وسيأتي عن النهاية مثله بزيادة وعبارةع ش أي بأن أحدث وحضرت [ ص: 111 ] صلاة أخرى ، ولم يكن ذاكرا للدليل الأول أو عارضه معارض ا هـ زاد سم أما لو كان ذاكرا له ولا معارض فلا يبعد جواز استعماله تلك البقية من غير إعادة الاجتهاد استصحابا لحكم الاجتهاد الأول وهو ظاهر بل لو كان أتلف الآخر ، وقد بقي من الأول بقية واحتاج للوضوء وهو ذاكر للدليل من غير معارض لم يبعد أيضا جواز التطهر به فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              قول المتن ( لم يعمل بالثاني ) ينبغي أن يجوز للأعمى المتحير تقليد البصير في اجتهاده الثاني المتغير ، والعمل به حيث لم يكن قلده في الأول ، وعمل به بأن لم يكن قلده فيه أو قلده فيه ولم يعمل وقياس ذلك أنه لو كان باع الأول أو بعضه ، وهو صحيح كما يأتي في البيع ، ثم اجتهد ثانيا وتغير اجتهاده إلى طهارة الثاني أن يصح بيعه أيضا ، وهل له أكل الثمنين القياس حل ذلك ظاهرا وفي حلهما معا باطنا نظر ، والوجه حرمة أحدهما ظاهرا أيضا ؛ لأن أحد البيعين باطل يقينا فثمنه غير مملوك سم عبارة ع ش .

                                                                                                                              قوله لم يعمل بالثاني أي ولا بالأول أيضا لاعتقاده الآن بطلانه ومن فوائد جواز الاجتهاد الثاني مع امتناع العمل به أنه إذا ظن به طهارة الثاني شربه أو باعه أو غسل به نجاسة أو غير ذلك ، وأنه غسل أعضاءه بينهما وما أصابه الماء الأول من ثيابه يجوز له أن يتطهر بالثاني ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لئلا ينقض الاجتهاد إلخ ) هذا لا يأتي إذا كان الاجتهاد بين طهور ومستعمل إذ لا يأتي فيه هذا الترديد ؛ لأن المستعمل طاهر فلا يحتاج لغسل الأعضاء منه فيتجه فيه العمل بالثاني مطلقا سم ومغني ( قوله بالاجتهاد ) أي مع أن الاجتهاد الثاني اجتهاد صحيح في نفسه بدليل ما يأتي عن البلقيني سم .

                                                                                                                              ( قوله أو يصلي إلخ ) أي الصلاة الثانية ( قوله والتزام المخرج الأول ) أي العمل بالثاني وغسل جميع إلخ عبارة المغني ، وخرج ابن سريج من النص في الاجتهاد في القبلة العمل بالثاني وفرق بأن العمل به هنا يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه الأول وإلى الصلاة بنجاسة إن لم يغسله ، وهناك لا يؤدي إلى صلاة بنجاسة ولا إلى غير القبلة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نقض اجتهاد إلخ ) أداء صلاة معينة إلى غير القبلة يقينا ( قوله وأخذ البلقيني إلخ ) قلت هو واضح ، وقد أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وعلم مما تقدم وجوب إعادة الاجتهاد لكل صلاة يريد فعلها أي ما لم يكن باقيا على طهارته نعم إن كان ذاكرا لدليله الأول لم يعده بخلاف الثوب المظنون طهارته بالاجتهاد فإن بقاءه بحاله بمنزلة بقاء الشخص متطهرا فيصلي فيه ما شاء حيث لم يتغير ظنه سواء أكان يستتر بجميعه أم يمكنه الاستتار ببعضه لكبره فقطع منه قطعة واستتر بها وصلى ، ثم احتاج إلى الستر لتلف ما استتر به فلا يحتاج إلى إعادة الاجتهاد كما اقتضاه كلام المجموع وهو المعتمد خلافا [ ص: 112 ] لبعض المتأخرين نهاية ( قوله لو غسل بين الاجتهادين إلخ ) وفي البجيرمي عن الحفني بعد ذكر مثل ذلك عن البرلسي والزيادي ما نصه أي ولا يعيد ما صلاه بالأول على الراجح ولا يقال يلزم على العمل بالثاني الصلاة بنجاسة قطعا إما في الأول ، وإما في الثاني فيلزمه الإعادة حينئذ ؛ لأنا نقول النجاسة غير متعينة فلا يعتد بها كما قالوا فيما لو صلى أربع ركعات لأربع جهات فإنه لا يعيد مع أنه صلى لغير القبلة قطعا ؛ لأن المبطل غير متعين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مما ذكر ) أي من التعليل بقوله لئلا ينقض إلخ ( قوله جميع ما أصابه ) أي الماء الأول من أعضائه وثيابه ع ش .

                                                                                                                              ( قوله بماء غيرهما ) أي بماء طهور بيقين أو باجتهاد غير ذلك الاجتهاد نهاية ( قوله هو نظير مسألة القبلة ) أي نظير ما إذا تغير اجتهاده في القبلة حيث يعمل بالاجتهاد الثاني كردي ( قوله صلى به ) وفاقا للمغني وسم وخلافا للنهاية عبارته فإن كان على طهارته لم تجب إعادته أي الاجتهاد إلا أن يتغير اجتهاده قبل الحدث فلا يصلي بتلك الطهارة لاعتقاده الآن بطلانها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لما يلزم عليه ) أي العمل بهذا الظن ( قوله من الفساد المذكور ) أي عقب المتن ( قوله كما مر ) أي في شرح ، ثم يتيمم ( قوله في محل التيمم ) سيأتي في باب التيمم بهامشه ما يؤخذ منه أن المعتبر محل الصلاة سم ( قوله ولا نظر إلى أن معه إلخ ) انظر هذا مع قوله بعد نحو الخلط ؛ لأنه إذا وقع التيمم بعد نحو الخلط لم يبق معه طاهرا بالظن ، ويجاب بمنع ذلك إذا خلط مما ظنه في الآخر سم ويجاب أيضا بأنه بالنظر إلى قول المصنف على الأصح ويأتي أنه مع النظر إليه يتعين تخريج كلامه على رأي الرافعي فقط فلا يتقيد التيمم ببعد نحو الخلط كما أشار إلى ذلك النهاية والمغني بما نصه والثاني يعيد ؛ لأن معه طاهرا بالظن فإن أراقه قبل الصلاة لم يعد جزما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : تنبيه ما قررت إلخ )

                                                                                                                              قرر النهاية أيضا عبارة المتن بنحو ذلك ، ثم قال كالشارح فيما سيأتي وهذا الذي سلكته إلخ بصري ( قوله إلا في متعدد ) أي ابتداء وانتهاء ( قوله من التقييد إلخ ) عطف على قوله من فرض إلخ وقوله بنحو الخلط يعني ببعد نحو الخلط ( قوله إن شرط إلخ ) بيان لما علم إلخ ( قوله وأنه يصح تخريج كلامه على طريقة الرافعي ) أي بفرض قوله وتغير ظنه فيما إذا لم يبق من الأول شيء ( قوله وأنه لا يحتاج إلخ ) عطف على قوله إنه لا اعتراض إلخ ( قوله مع قطع النظر عن قوله في الأصح ) كيف يتأتى قطع النظر عنه مع التعبير به في كلامهع ش ( قوله مع نحو الخلط إلخ ) قد يقال إن من صور الخلط أن يصب من المظنون طهارته ثانيا في الآخر أو عكسه فيبقى معه طاهرا بالظن كما لو حمل على طريقة الرافعي ، فيكون الكلام محمل على طريقة المصنف في الجملة بصري ، وقد يجاب [ ص: 113 ] بأن المراد هنا عدم الإعادة مطلقا أي في جميع صور التلف ( قوله غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا إلخ ) اعلم أن الجلال المحلي بين أن في وجوب الإعادة على كل من طريق الرافعي وطريق المصنف خلافا إلا أن الأصح منه على طريق الرافعي أي بأن لم يبق من الأول بقية عدم الوجوب وعلى طريق المصنف بأن بقي الوجوب .

                                                                                                                              وبين أيضا أن محل خلاف الإعادة فيما إذا لم يرق الباقي في الأول ، ولم يرقهما في الثاني قبل الصلاة فيهما فإن أراق ما ذكر قبلها فلا إعادة جزما لكن اعتباره كون الإراقة قبل الصلاة ينبغي أن يكون ضعيفا أو فيه تجوز ، وإلا فالمعتمد أن المعتبر كون الإراقة قبل التيمم إذا علمت ذلك علمت أن حكاية الخلاف في الإعادة تقتضي التصوير بما إذا انتفت الإراقة أو نحوها إذ لو لم تنتف كان عدم الإعادة مجزوما به ، وحينئذ فالمسألة مصورة بما إذا انتفت الإراقة ونحوها وإذا كانت مصورة بذلك تعين ما قاله البعض المذكور من التخالف وإجراء الكلام على إطلاقه ، إذ تقييده ينافي ذكر الخلاف فقوله إن زعم البعض المذكور غفلة فيه نظر بل لعله غفلة ومن هنا يظهر ما في قوله ؛ لأنه لا يظهر مقابل الأصح إلخ ؛ لأنه يرد عليه أن مقابل الأصح لا يأتي أيضا على طريق الرافعي إذا حصلت الإراقة التي هي من نحو الخلط بل الوجه أن يقال في توجيه تعين التخريج على رأي الرافعي ؛ لأنه لا يأتي تصحيح عدم الإعادة على طريق المصنف بل المصحح حينئذ الإعادة فأحسن التأمل بالإنصاف سم .

                                                                                                                              ( قوله أولى إلخ ) انظر ما معنى الأولوية مع اعترافه بأن حمل كلامه على غير رأي الرافعي ينافي قوله في الأصح حيث قال فمع النظر إليه إلخ ، وكيف يدعي أولوية تفصيل في كلامه مع منافاته له سم عبارة البصري قوله وبعضهم حصره إلخ هذا الذي استقر عليه كلامه رحمه الله تعالى حيث قال آنفا فمع النظر إليه يتعين تخريجه إلخ فما وجه الأولوية مع العينية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبعضهم إلخ ) بالجر عطفا على قوله بعضهم تخريج إلخ ( قوله وعلم مما مر إلخ ) عبارة المغني تنبيه للاجتهاد شروط علم بعضها مما مر الأول أن يتأيد بأصل الحل فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول كما تقدم الثاني أن يقع الاشتباه في متعدد فلو تنجس أحد كميه أو إحدى يديه وأشكل فلا يجتهد كما سيأتي في شروط الصلاة إن شاء الله تعالى الثالث أن يبقى المشتبهات فلو تلف أحدهما لم يجتهد في الباقي بل يتيمم ولا يعيد وإن بقي الآخر ؛ لأنه ممنوع من استعماله غير قادر على الاجتهاد .

                                                                                                                              الرابع بقاء الوقت فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى وأعاد ، قاله العمراني في البيان . الخامس أن يكون للعلامة فيه مجال بأن يتوقع ظهور الحال فيه كالثياب والأواني والأطعمة فلا يجتهد فيما إذا اشتبه محرمه بأجنبية فأكثر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح أو ميتة بمذكاة أو نحو ذلك ، شروط الأخذ والعمل بالاجتهاد أن تظهر بعده العلامة ا هـ ووافقه الشارح في جميع ذلك وكذا النهاية إلا في الرابع فعقبه بقوله ، والأوجه خلافه ا هـ .

                                                                                                                              [ ص: 114 ] قوله أيضا ) أي كسعة الوقت وتعدد المشتبه ( قوله أو مذكاة بميتة ) قال في شرح العباب عقبه بخلاف ما إذا اشتبهت مذكاة غير مسمومة بمذكاة مسمومة فإن له الاجتهاد فيهما قطعا ؛ لأنهما مباحان طرأ على أحدهما مانع ذكره في المجموع قال : وهو واضح انتهى

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              ينبغي جواز الاجتهاد إذا اشتبه اختصاصه باختصاص غيره ليتميز له اختصاصه فيتصرف فيه بما يسوغ له فيه سم ( قوله ومن ثم لم يجتهد في صورة اختلاط المحرم الآتية ) أي لم يجب الاجتهاد وإن جاز مع العمل به فيما إذا اختلطت بغير محصور بل لعله أولى سم . أقول ظاهر صنيعهم بل صريح ما يأتي آنفا عن الكردي أن كلا من الشروط المتقدمة شرط لجواز الاجتهاد فلا يجوز بدون واحد منها ( قوله ثم ) أي في النكاح ( قوله ومما سيذكره إلخ ) في عطفه على قوله مما مر المتعلق بقوله علم بالمضي تسامح ( قوله في المحير ) أي فيما إذا تحير المجتهد ( قوله كما مر ) أي في شرح وتطهر بما ظن طهارته ( قوله وإنما كان هذا ) أي ظهور العلامة وقوله بخلاف ما قبله أي أن يكون للعلامة فيه مجال وقوله : لأن تلك أي العلامة ( قوله وعن بعض الأصحاب إلخ ) أي نقل عنه وهذا كلام مستأنف ( قوله وعن بعض الأصحاب إلخ ) وفي الكردي بعد ذكر الشروط المتقدمة ما نصه فهذه شروط جواز الاجتهاد ، وأما شروط وجوبه فثلاثة دخول الوقت أما قبل الوقت فهو جائز . ثانيها عدم وجود غير المشتبه أو إرادة استعماله . ثالثها أن لا يبلغ المشتبهات بالخلط قلتين وإلا فلا يجب الاجتهاد ، بل يخير بينه وبين الخلط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وعن بعض الأصحاب اشتراط كونهما لواحد إلخ ) والأوجه كما في الإحياء خلافه عملا بإطلاقهم كما أوضحته في شرح العباب نهاية ( قوله ورد إلخ ) وعلى هذا فإن ظن ما لنفسه استعمله أو ما لغيره اجتنب ما لنفسه ، واستعمل ما لغيره إن تمكن منه بطريقه الشرعي وإلا تيمم سم ( قوله باب الوطء إلخ ) عبارة الكردي قال في الإحياء فإن قيل فلو كان الإناءان لشخصين فينبغي أن يستغني عن الاجتهاد ويتوضأ بإنائه ؛ لأنه تيقن طهارته وشك الآن فيه فنقول هذا محتمل في الفقه والأرجح في الظن المنع ، وإن تعدد الشخص هنا كاتحاده ؛ لأن صحة الوضوء لا تستدعي ملكا بل وضوء الإنسان بماء غيره في رفع الحدث كوضوئه بمائه فلا يتبين لاختلاف الملك واتحاده أثرا بخلاف الوطء لزوجة الغير فإنه لا يحل ا هـ انتهت . ( قوله تتأثر ) أي تبطل ( قوله وهنا ) أي في الإناءين لاثنين وقوله له وقوله فوجب أي الاجتهاد وقوله في حق إلخ متعلق بوجب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية