الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              912 955 - حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى بعد الصلاة فقال: " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة، ولا نسك له". فقال أبو بردة بن نيار - خال البراء -: يا رسول الله، فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة. قال: "شاتك شاة لحم". قال: يا رسول الله، فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين، أفتجزي عني قال: "نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك". [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح: 2 \ 447]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس: "من ذبح قبل الصلاة فليعد".

                                                                                                                                                                                                                              رواه عن أنس محمد، وهو ابن سيرين، وإسماعيل هو ابن علية، ويأتي في الباب أيضا، وفي الأضاحي في موضعين، وفي النذور، وأخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث البراء: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 79 ] وسلف قريبا.

                                                                                                                                                                                                                              وشيخ البخاري فيه عثمان، هو: ابن أبي شيبة، ووجه مناسبة التبويب قوله: وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب. وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعنف أبا بردة لما قال له: تغديت قبل أن آتي الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "من ذبح قبل الصلاة فليعد" ) قد يستدل به من يرى وجوب الأضحية، وأن الذبح قبل الصلاة لا يجزئ عنها، وقد سلف الخلاف في وقته.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( فقام رجل ). هو أبو بردة بن نيار كما جاء مبينا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( وهذا يوم يشتهى فيه اللحم ). دال على أنه يوم فطر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( وذكر يعني: هنة من جيرانه ) - كذا في نسخة شيخنا قطب الدين، قال: وفي بعض النسخ إسقاط: يعني: هنة. وبخط الدمياطي: وذكر من جيرانه. وفي نسخة: هنة. يعني: أنه أطعمهم منها. وسيأتي في باب: كلام الإمام في الخطبة فيها أنه قال: ( جيران لي إما قال: بهم خصاصة، وإما قال: فقر ). والهنة: الحاجة والفقر والفاقة، وحكى الهروي عن بعضهم شد النون في هن وهنة، وأنكره الأزهري.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخليل: من العرب من يسكنه يجريه مجرى ( من )، ومنه من ينونه في الوصل. قال صاحب "المطالع": وهو أحسن من الإسكان.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 80 ] قوله: ( فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقه ). أي: بعذر بين. والجذعة ما قوي من الغنم قبل أن يحول عليه الحول، فإن حال صار ثنيا، ولا يجوز في الأضاحي دون الجذع من الضأن، وهو ما كمل سنة على الأصح.

                                                                                                                                                                                                                              ووقع في شرح شيخنا قطب الدين أنه ما كمل له ستة أشهر، وهو وجه مرجوح.

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي عياض: أجمع العلماء على الأخذ بحديث أبي بردة، وأنه لا يجوز الجذع من المعز.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في الجذع من الضأن، فانفرد عمر بن عبد العزيز فقال: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء. وقال جميع الفقهاء بالإجزاء، فإن قلت: ما الفرق بين جذع الضأن وجذع المعز ؟

                                                                                                                                                                                                                              قلت: النص، ولأن ابن الأعرابي قال: المعز والإبل والبقر لا تضرب فحولها إلا أن تثني، والضأن تضرب فحولها إذا جذعت. قال الحربي: لأنه ينزو من الضأن ويلقح، ولا ينزو إذا كان من المعز.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية البخاري: فإن عندنا عناقا لنا جذعة. والعناق: الأنثى من المعز، قاله الخليل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( خطبنا يوم الأضحى بعد الصلاة ). فيه دلالة على أن الخطبة بعد الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له" ) المراد، والله أعلم: ومن ذبح قبل الصلاة على قصد النسك فلا نسك له.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 81 ] وتكلف ابن الجوزي فقال: لما ذبحها بنية القربة ظانا الكفاية أثيب بنيته، وسميت نسيكة. وقال ابن التين: سماها الشارع نسيكة، وإن ذبحت قبل الصلاة. قال: واستنبط القابسي منه عدم جواز بيعها ; لأجل التسمية.

                                                                                                                                                                                                                              وأصل نسكت: ذبحت، والنسيكة: الذبيحة المتقرب بها إلى الله، كانوا في أول الإسلام يذبحونها في المحرم، فنسخ ذلك بالأضاحي، والعرب تقول: من فعل كذا فعليه نسك. ثم اتسعوا فيه حتى جعلوه لموضع العبادة والطاعة، ومنه قيل للعابد: ناسك، والنسك بإسكان السين وضمها، والنسك هو فعل النسك، وقيل: النسك: الصيد، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية في البخاري أيضا: "من ذبح قبل فليس من النسك في شيء" وهو أبين.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( أحب إلي من شاتين ) يعني: من طيب لحمها، ولا أطيب من شاتين من الذي ذبحها (. .. ).

                                                                                                                                                                                                                              قوله: "ولن تجزي" هو بفتح التاء، جزى يجزي بمعنى: قضى. قال تعالى: لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة: 48] وأجزأ يجزئ بمعنى: كفى، وهذا تخصيص لمعين بحكم المفرد، وليس من باب النسخ، فإن النسخ إنما يكون عموما غير خاص لبعضهم، فإن شبه على أحد أمر النسخ في صلاة الليل فليعلم أن فرضها نسخ عن الأمة، وكذا في حق نبينا على الأصح، والاعتراض بها على ما ذكرناه غير صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 82 ] وقوله: ( "لن تجزي عن أحد بعدك" ) يعني: العناق الجذع من المعز، ولا يتوهم أن المراد به الأولى، معللا بأنه يتأول، فكان عذرا وإن توهمه بعض الغفلة.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج من قال بوجوب الأضحية، وهو أبو حنيفة وغيره من العلماء بقوله: "ولن تجزي".

                                                                                                                                                                                                                              وروي في بعض أخبار أبي بردة هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بالإعادة، ولا دلالة فيه ; لأنه لما أوقعها على غير الوجه المشروع بين له الجهة المشروعة، فقال: "اذبح مكانها". والمراد: بنفي الإجزاء نفي السنة، ولا يختص الإجزاء بالوجوب.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية