الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ( 53 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "ويقول الذين آمنوا" . فقرأتها قرأة أهل المدينة : ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) بغير"واو" .

وتأويل الكلام على هذه القراءة : فيصبح المنافقون إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده ، على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنون تعجبا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله : أهؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا ، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ، ذلك الذي : -

12176 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " ، حينئذ ، "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" .

[ ص: 408 ] وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير"واو" .

وقرأ ذلك بعض البصريين : ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ونصب "يقول " عطفا به على" فعسى الله أن يأتي بالفتح " . وذكر قارئ ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى أن يقول الذين آمنوا ومحال غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يقال : "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا " ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : "أكلت خبزا ولبنا " ، كقول الشاعر :


ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا



فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسروا في أنفسهم نادمين وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ : أهؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟

وهي في مصاحف أهل العراق بالواو : ( ويقول الذين آمنوا )

وقرأ ذلك قرأة الكوفيين ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ورفع "يقول " ، بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .

وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون ، ويقول الذين آمنوا ، فيبتدئ "يقول " فيرفعها .

قال أبو جعفر : وقراءتنا التي نحن عليها " ويقول " بإثبات "الواو " في [ ص: 409 ] "ويقول " ، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل المشرق بالواو ، وبرفع "يقول " على الابتداء .

فتأويل الكلام إذ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا؟

يقول الله تعالى ذكره ، مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم "حبطت أعمالهم " ، يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلا لا ثواب لها ولا أجر ، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ، ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها ، إذ لم تكن له "فأصبحوا خاسرين " ، يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون ، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر ، قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة ، وخابت صفقتهم وهلكوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية