الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) عند ( رؤية مستيقظ ) خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي منيا أو مذيا ( وإن لم يتذكر الاحتلام ) إلا إذا علم أنه مذي أو شك أنه مذي أو ودي أو كان ذكره منتشرا قبيل النوم فلا غسل [ ص: 164 ] عليه اتفاقا كالودي ، لكن في الجواهر إلا إذا نام مضطجعا أو تيقن أنه مني أو تذكر حلما فعليه الغسل والناس عنه غافلون ( لا ) يفترض ( إن تذكر ولو مع اللذة ) والإنزال ( ولم ير ) على رأس الذكر ( بللا ) إجماعا ( وكذا المرأة ) مثل الرجل على المذهب . ولو وجد بين الزوجين ماء ولا مميز ولا تذكر ولا نام قبلهما غيرهما اغتسلا .

التالي السابق


( قوله : وعند رؤية مستيقظ ) أي بفخذه أو ثوبه بحر ، والمراد بالرؤية العلم ليشمل الأعمى ، والمرأة كالرجل كما في القهستاني .

( قوله : خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي ) أي بعد إفاقتهما بحر . والفرق أن النوم مظنة الاحتلام فيحال عليه ، ثم يحتمل أنه مني رق بالهواء أو للغذاء فاعتبرناه منيا احتياطا ، ولا كذلك السكران والمغمى عليه ; لأنه لم يظهر فيهما هذا السبب بحر ، وقوله المذي مفعول رؤية وهما موجودان في بعض النسخ ولا بد منهما ; لأن برؤية المني يجب الغسل كما صرح به في المنية وغيرها . قال ط : وأشار به أي بالتقييد بالمذي إلى أن في مفهوم المستيقظ تفصيلا ، وأما أحسن ما صنع ولا تكلف فيه ا هـ فافهم .

( قوله : منيا أو مذيا ) اعلم أن هذه المسألة على أربعة عشر وجها ; لأنه إما أن يعلم أنه مني أو مذي أو ودي أو شك في الأولين أو في الطرفين أو في الأخيرين أو في الثلاثة ، وعلى كل إما أن يتذكر احتلاما أو لا فيجب الغسل اتفاقا في سبع صور منها وهي ما إذا علم أنه مذي ، أو شك في الأولين أو في الطرفين أو في الأخيرين أو في الثلاثة مع تذكر الاحتلام فيها ، أو علم أنه مني مطلقا ، ولا يجب اتفاقا فيما إذا علم أنه ودي مطلقا ، وفيما إذا علم أنه مذي أو شك في الأخيرين مع عدم تذكر الاحتلام ; ويجب عندهما فيما إذا شك في الأولين أو في الطرفين أو في الثلاثة احتياطا ، ولا يجب عند أبي يوسف للشك في وجود الموجب ، واعلم أن صاحب البحر ذكر اثنتي عشرة صورة وزدت الشك في الثلاثة تذكر أولا أخذا من عبارته . ا هـ . ح . أقول : إذا عرفت هذا فاعلم أن المصنف اقتصر على بعض الصور ، ولا يلزم أن يكون ما سكت عنه مخالفا في الحكم لما ذكره كما لا يخفى فافهم ، نعم قوله أو مذيا يقتضي أنه إذا علم أنه مذي ولم يتذكر احتلاما يجب الغسل وقد علمت خلافه . وعبارة النقاية كعبارة المصنف ، وأشار القهستاني إلى الجواب حيث فسر قوله أو مذيا بقوله أي شيئا شك فيه أنه مني أو مذي ; لأنا لا نوجب الغسل بالمذي أصلا بل بالمني ، إلا أنه قد يرق بإطالة الزمان ، فالمراد ما صورته صورة المذي لا حقيقته كما في الخلاصة ا هـ فليس فيه مخالفة لما تقدم فافهم .

( قوله : وإن لم يتذكر الاحتلام ) من الحلم بالضم والسكون لما يراه النائم ثم غلب على ما يراه من الجماع نهر . واعلم أنه اختلف ، الواو في نظير هذا التركيب ، فقيل إنها للحال أي والحال أنه إن لم يتذكر الاحتلام يجب الغسل ، ويفهم وجوبه إذا تذكر بالأولى ، وقيل للعطف على مقدر : أي إن تذكر وإن لم يتذكر .

( قوله : إلا إذا علم إلخ ) استثناء من قوله أو مذيا مع تقييده لعدم تذكر الاحتلام ; لأنه هو المنطوق ، سواء جعلت الواو للحال أو للعطف ، لكن على جعلها للحال أظهر ، إذ ليس في الكلام شيء مقدر ، ولو جعلت للعطف ربما يتوهم أن الاستثناء مفروض على عدم التذكر المنطوق ، ومع التذكر المقدر فلا يصح قوله الآتي اتفاقا . ثم اعلم أن الشارح قد أصلح عبارة المصنف ، فإن قوله أو مذيا يحتمل أن يكون المراد به أنه رأى مذيا حقيقة بأن علم أنه مذي ، أو أنه رأى مذيا صورة بأن رأى بللا وشك في أنه مذي أو ودي ، أو شك أنه مذي أو مني ، فاستثنى ما عدا الأخير وصار قوله أو مذيا مفروضا فيما إذا شك أنه مذي أو مني فقط كما قدمناه فهذه الصورة [ ص: 164 ] يجب فيها الغسل وإن لم يتذكر الاحتلام لكن بقيت هذه صادقة بما إذا كان ذكره منتشرا قبل النوم أو لا ، مع أنه إذا كان منتشرا لا يجب الغسل فاستثناه أيضا ، فصار جملة المستثنيات ثلاث صور لا يجب فيها الغسل اتفاقا مع عدم تذكر الاحتلام كما قلنا ، وبهذا الحل الذي هو من فيض الفتاح العليم ظهر أن هذه المتعاطفات مرتبطة ببعضها وأن الاستثناء فيها كلها متصل ، ولله در هذا الشارح الفاضل ، فكثيرا ما تخفى إشارته على المعترضين وإن كانوا من الماهرين ، فافهم .

( قوله : كالودي ) فإنه لا غسل فيه اتفاقا وإن تذكر كما مر .

( قوله : لكن في الجواهر إلخ ) استدراك على المسألة الثالثة . وحاصله أنه أطلق عدم الغسل فيها تبعا لكثير ، وهو مقيد بثلاثة قيود : أن يكون نومه قائما أو قاعدا ، أو أن لا يتيقن أنه مني ، وأن لا يتذكر حلما ، فإذا فقد واحد منها بأن نام مضطجعا أو تيقن أو تذكر وجب الغسل . وقد ذكر المسألة في منية المصلي فقال : وإن استيقظ فوجد في إحليله بللا ولم يتذكر حلما ، إن كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا غسل عليه ، وإن كان ساكنا فعليه الغسل ، هذا إذا نام قائما أو قاعدا ، أما إذ نام مضطجعا أو تيقن أنه مني فعليه الغسل ، وهذا مذكور في المحيط والذخيرة . وقال شمس الأئمة الحلواني هذه مسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون . ا هـ . والحاصل أن الانتشار قبل النوم سبب لخروج المذي ، فما يراه يحمل عليه ما لم يتذكر حلما ويعلم أنه مني أو يكن نام مضطجعا ; لأنه سبب للاسترخاء والاستغراق في النوم الذي هو سبب الاحتلام ، لكن ذكر في الحلية أنه راجع الذخيرة والمحيط البرهاني فلم ير تقييد عدم الغسل بما إذا نام قائما أو قاعدا ، ثم بحث وقال إن الفرق بينه وبين النوم مضطجعا غير ظاهر .

( قوله : أو تيقن ) عبر به تبعا للمنية ; ولو عبر بالعلم لكان أولى ; لأن المراد غلبة الظن والعلم يطلق عليها . وعبارة الخانية في هذه المسألة إلا أن يكون أكبر رأيه أنه مني فيلزمه الغسل ا هـ .

( قوله : ولو مع اللذة والإنزال ) أي مع تذكرهما ، وليس المراد أنه أنزل ; لأن الموضوع أنه لم ير بللا ط .

( قوله : وكذا المرأة إلخ ) في البحر عن المعراج : لو احتلمت المرأة ولم يخرج الماء إلى ظهر فرجها عن محمد يجب . وفي ظاهر الرواية لا يجب ; لأن خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها وعليه الفتوى .

( قوله : ولو وجد إلخ ) حاصله أنه لو وجد الزوجان في فراشهما منيا ولم يتذكرا احتلاما ، فقيل إن كان أبيض غليظا فمني الرجل ، وإن كان أصفر رقيقا فمني المرأة . وقال في الظهيرية بعد حكايته لهذا القول : والأصح أنه يجب عليهما احتياطا ، وعزا هذا الثاني في الحلية إلى ابن الفضل ، وقال : ومشى عليه في المحيط والخلاصة ، واستظهر في الفتح الجمع بين القولين ، فقيد الوجوب عليهما بعدم التذكر وعدم المميز من غلظ ورقة أو بياض وصفرة ، ثم قال : فلا خلاف إذن ، واستحسنه في الحلية وأقره في البحر ، لكن في شرح المنية أن المميز يختلف باختلاف المزاج والأغذية فلا عبرة به ، والاحتياط هو الأول .

( قوله : ولا نام قبلهما غيرهما ) ذكره في الحلية بحثا وتبعه في البحر قال : فلو كان قد نام عليه غيرهما وكان المني المرئي يابسا فالظاهر أنه لا يجب الغسل على واحد منهما . [ ص: 165 ] تنبيه ]

التقييد بالزوجين صريح في أن غيرهما لا يجب عليه رملي على البحر . أقول : الظاهر أنه اتفاقي جريا على الغالب ولذا قال ط : الأجنبي والأجنبية كذلك ، وكذا لو كانا رجلين أو امرأتين ، فالظاهر اتحاد الحكم .




الخدمات العلمية