الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فروع اثنا عشر :

                                                                                                                الأول : قال سحنون في العتبية : يمسح على المهاميز قال الباجي : قال ابن مسلمة ، وجماعة أصحابه : لا يجب الإيعاب ، والواجب عند الشافعي رضي الله عنه أقل ما ينطلق عليه الاسم ، وعند أبي حنيفة ثلاثة أصابع ، وعند ابن حنبل مسح أكثره .

                                                                                                                حجتنا : أن كل موضع صح فيه الفعل وجب إذ لو انتفى الوجوب لما صح أصله الساق ، وإذا كان الوجوب متقررا في آخر العضو وجب إيعابه كسائر أعضاء الوضوء . الثاني : صفة المسح في الكتاب وضع اليد اليمنى على أطراف أصابع الرجل من ظهرها ، واليسرى تحت أصابعها مارا بهما إلى موضع الوضوء قياسا على الوضوء لأنه بدله . قال صاحب الطراز : وقيل عكسه ، وعند ابن عبد الحكم : [ ص: 329 ] اليمنى على حالتها ، واليسرى يبدأ بها من العقب إلى الأصابع ليسلم من آثار العقب ، وهو قول الشافعي . قال صاحب الطراز : قال بعض الأصحاب : ظاهر الكتاب يقتضي جعل اليمنى على أعلى اليسرى ، ويفعل في اليسرى كذلك ، وهو وهم ، فإن الإشارة إلى البداية فقط لقول مالك في الواضحة : يجعل اليمنى تحت اليسرى ، واليسرى من فوقها لأنه أمكن في مسحها . الثالث : قال في الكتاب : لا يجزئ مسح الباطن عن الظاهر ، ولا العكس ، لكن الاقتصار على الظاهر يوجب الإعادة في الوقت ، وقال سحنون : لا يعيد مطلقا . قال صاحب الطراز : وقوله لا يجزئ يحتمل في الفعل ، وفي الحكم ، وهو قول ابن نافع ، ويعيد عنده أبدا ، وهو أقعد بأصل مالك ; لأن الخف بدل فيثبت له حكم مبدله ، ولأنه لو انخرق باطنه خرقا فاحشا لا يمسح عليه .

                                                                                                                والمذهب مبني على أن الحكم انتقل إلى الخف من حيث هو خف كالتيمم لا يراعى فيه مواضع الوضوء ، ولا الغسل ، فلو اقتصر على الأسفل قال : لا يجزئه على المشهور ، وقال أشهب : يجزئه .

                                                                                                                فرع : مرتب : قال : إذا قلنا يعيد في الوقت قال ابن أبي زيد : يعيد الوضوء لعدم الموالاة ، ويتخرج فيه قول بإعادة أسفله وحده . الرابع : قال في الكتاب : يزيل الطين من أسفل الخف ليصادفه المسح ، فلو مسح الطين ، أو غسله ليمسح الخف ، ثم نسي لم يجزه ، ويعيد الصلاة لعدم نية الطهارة قاله صاحب الطراز ، فلو غسل بنية الوضوء قال ابن حبيب : يجزئه ، ويستحب له الإعادة ليأتي بالمشروع غير تابع . الخامس : قال في الكتاب : إذا لبس خفين على خفين مسح الأعلى ، وروى ابن وهب المنع .

                                                                                                                حجة الأول : أن الأحاديث وردت من غير استفصال ، ولأن الضرورة كما تدعو الخف الواحد تدعو الخفين قال اللخمي : والخلاف إنما هو في لبسهما عقيب [ ص: 330 ] غسل ، أما لو لبس الأول عقيب غسل ، والثاني بعد مسح ، فإنه يجوز قولا واحدا . قال صاحب الطراز : ينبغي العكس .

                                                                                                                وحجة المنع أن الخف الأعلى إن كان بدلا من الأسفل لزم أن يكون للبدل بدل ، وهو غير معهود ، أو من الرجل فيلزم ألا يعيد المسح على الأسفل إذا نزع الأعلى . السادس : قال في الكتاب : إذا مسح على خفيه ، ثم لبس أخرى بعد المسح مسح على الأخرى لقيام مسح الخف مقام غسل الرجل في رفع الحدث ، وقال بعض الشافعية : لا يمسح ; لأن المسح لا يرفع الحدث لوجوب الغسل عند النزع ، فلا يقوم مقام الغسل كالتيمم ، وفرق بين هذه المسألة ولبسهما بعد الغسل ; لأن الغسل يرفع الحدث . السابع : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا مسح الأعلى ، ثم نزعه مسح الأسفل ، وأجزأه خلافا ح ، فإن أخر ذلك أعاد الوضوء كالذي يفرق وضوءه ، ورأى أبو حنيفة أن الخفين شيء واحد بدل من الرجل ، فإذا لم تظهر بقي حكم المسح ، وفرق بين الخفين ، والجرموقين ، وقال : يمسح الخف إذا نزع الجرموق الأعلى لاختلاف الجنس ، ويؤيد قوله من مسح رأسه ، ثم حلق شعره لا يعيد مسحا .

                                                                                                                حجتنا : القياس على من نزع الخف عن الرجل ، وعلى الجبائر .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : وأما نزع خفه بعد المسح ، فثلاثة أقوال : الغسل لمالك ، والوضوء له أيضا ، ولا يتوضأ ، ولا يغسل للحسن .

                                                                                                                حجة المشهور انتقال حكم المسح للرجل ، والرجل لا تمسح ، فتغسل ، وقوله عليه السلام : ( إذا أدخلت رجليك في الخف ، وهما طاهرتان ، فامسح عليهما ما شئت ، وما بدا لك ما لم تخلعهما ، أو تصيبك جنابة ) .

                                                                                                                فاشترط عدم النزع ، والقياس على نزع العصائب .

                                                                                                                [ ص: 331 ] حجة الوضوء أن المسح رفع الحدث ، فإذا نزع تجدد الحدث ، وهو لا يتبعض لأنا لا نجد شيئا ينقض الوضوء في عضو دون غيره فيعم ، فيجب الوضوء ، ويرد عليه أن النزع ليس بحدث بل الحدث هو ما سلف ، وقد عمل بموجبه ، إلا غسل الرجل أبدل بالمسح ، فإذا ذهب المسح أكملت الطهارة بالغسل .

                                                                                                                حجة الثالث القياس على حلق الرأس .

                                                                                                                فإذا قلنا : يمسح على الأسفل ، فنزع فردا من الأعليين . قال صاحب الطراز : قال ابن القاسم : يمسح تلك الرجل على الأسفل ، وقال سحنون ، وابن حبيب : ينزع الأخرى ، ويمسح الأسفلين .

                                                                                                                حجة ابن القاسم أن الملبوس باق على حكم البداية ، والقياس على ما إذا لبس ابتداء على إحدى رجليه خفين ، وعلى رجل خفا ، والفرق بين هذه ، وبين خلع أحد الخفين المنفردين أن الخف باق على البدلية ، وهناك بالخلع بطلت البدلية بسبب الغسل في إحدى الرجلين إذ لا يجمع بينهما .

                                                                                                                حجة سحنون أن الطهارة لا تتبعض في الانتقاض ، والخفاف كالشيء الواحد فيبطل فيهما كما لو كانا على الرجلين .

                                                                                                                وإذا قلنا يمسح ما تحت المنزوع ، فمسح ، ثم لبس المنزوع قال ابن القاسم في العتبية : يمسح عليه ، ولا يشترط أن يزيد على الرجل الأخرى خفا آخر ، فإن البدلية قد حصلت بستر الرجلين بجنس الخف . الثامن : في الجلاب : إذا كان على كل رجل خف ، فنزع إحدى الرجلين نزع الأخرى ، وغسل لئلا يجمع البدل ، والمبدل ، وقال القاضي في الإشراف عن أصبغ : يمسح اللابسة ، ويغسل المنزوعة . التاسع : لو تعسر نزع الخف الباقي قال عبد الحق عن بعض الشيوخ : إنه يغسل المنزوعة ، ويمسح الأخرى على ذلك الخف حفظا لمالية الخف ، وقياسا على الجبيرة ، ونقل عن بعض البغداديين منع الإجزاء لتعذر المشي على هذه الهيئة .

                                                                                                                [ ص: 332 ] قال ابن شاس : وينتقل إلى التيمم ، واستحسنه صاحب الطراز ، وقيل : يمزق الخف ترجيحا لجانب العبادة على المالية . العاشر : قال في الكتاب : كان مالك يقول : يمسح على الجرموقين أسفلهما جلد يبلغ موضع الوضوء مخروز ، ثم رجع عن ذلك . قال صاحب الطراز : والجرموقان على ظاهر الكتاب الجوربان المجلدان قال ابن حبيب : هما الخفان الغليظان لا ساق لهما ، وهذا الذي قاله ابن حبيب هو المعروف ، ونقل ابن بشير هما خف على خف فيكون فيهما ثلاثة أقوال .

                                                                                                                حجة الجواز ما رواه الترمذي أنه عليه السلام توضأ ، ومسح على الجرموقين ، والنعلين ، وروي ذلك عن عمر ، وابن عباس ، وجماعة من السلف ، ووجهة الثاني أن القرآن اقتضى الغسل ، فلا يخرج عنه إلا بمتواتر مثله ، وهذه الأحاديث لم يخرجها أحد ممن اشترط الصحة ، وقد ضعفها أبو داود بخلاف أحاديث الخفين ، فإنها متواترة ، ولأنها بمنزلة اللفائف ، واللفائف لا يمسح عليها .

                                                                                                                وأما ما يروى عن السلف ، فمحمول على المجلدين ، ويتخرج هذا الخلاف أيضا في القاعدة الأصولية ، وهي أن الرخص إذا وقعت على خلاف الأصل هل يلحق بها ما في معناها للعلة الجامعة بينهما ، أو يغلب بالدليل الثاني للمترخص ؟ قولان . الحادي عشر : قال في الكتاب : إذا تزحزحت رجلاه إلى ساق الخف نزعهما ، وغسل رجليه ، وإن خرج العقبان إلى الساق قليلا ، والقدم على حالها ، فردهما مسح ; لأن الأول يعد خلعا لهما بخلاف الثاني . قال صاحب الطراز : إن كان بقصده أخرج عقبه خرج على رفض الطهارة ، وإن كان بغير قصده فلا شيء عليه . الثاني عشر : في الجواهر : يكره التكرار ، والغسل فيهما ، ويجزئ إن فعل .

                                                                                                                [ ص: 333 ] وقد تقدم خلاف ابن حبيب في الغسل ، وسبب الكراهة في التكرار أن الغسل مبني على التخفيف ، والتكرار ينافيه ، ولأن العمل في السنة على خلافه ، وأما الغسل ، فلأن المسح أول مراتب الغسل فيقع المأمور به تبعا ، والأصل أن يكون مقصودا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية