الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      السري الرفاء الشاعر بن أحمد بن السري ، أبو الحسن الكندي الموصلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر ، له مدائح في سيف الدولة بن حمدان وغيره من الملوك والأمراء ، وقد قدم بغداد فاتفق موته بها في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وقيل في سنة أربع - وقيل خمس - وستين ، وقيل : سنة أربع وأربعين ، قال : وكانت بينه وبين محمد وسعيد ابني هاشم الخالديين الموصليين معاداة ، وادعى عليهما سرقة شعره ، وكان معتنيا بنسخ ديوان كشاجم الشاعر ، وربما زاد فيه من شعر الخالديين ليكثر حجمه ويزنهما بالكذب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قد امتدح سيف الدولة فأجرى له رزقا فلم يزل به الخالديان حتى قطعا رسمه من عنده ، فدخل بغداد وامتدح الوزير المهلبي ، فرحلا وراءه فلم يزالا في ثلبه عنده حتى هجره وقلاه ، فركبه الدين ومات في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وللسري الرفاء هذا ديوان شعر كبير جيد ، فمن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يلقى الندى برقيق وجه مسفر فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا [ ص: 341 ]     رحب المنازل ما أقام فإن سرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في جحفل ترك الفضاء مضيقا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألبستني نعما رأيت بها الدجى     صبحا وكنت أرى الصباح بهيما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فغدوت يحسدني الصديق وقبلها     قد كان يلقاني العدو رحيما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بنفسي من أجود له بنفسي     ويبخل بالتحية والسلام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحتفي كامن في مقلتيه     كمون الموت في حد الحسام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان قد استصحبه المعز الفاطمي من بلاد القيروان وتلك النواحي حين توجه إلى الديار المصرية ، فلما كان ببعض الطريق وجد محمد بن هانئ مقتولا مجدلا على حافة البحر ، وذلك في رجب منها ، وقد كان شاعرا مطبقا قوي النظم ، إلا أنه كفره غير واحد من العلماء في مبالغاته في مدائحه ، فمن ذلك قوله يمدح المعز قبحهما الله


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما شئت لا ما شاءت الأقدار     فاحكم فأنت الواحد القهار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذا خطأ كبير ، وكفر كثير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 342 ] وقال أيضا ، قبحه الله وأخزاه ، وفض فاه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولطالما زاحمت تح     ت ركابه جبريلا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن ذلك قوله - قال ابن الأثير : ولم أجد ذلك في ديوانه - :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حل برقادة المسيح     حل بها آدم ونوح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حل بها الله ذو المعالي     فكل شيء سواه ريح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأثير : وقد شرع بعض المتعصبين في الاعتذار عنه ، فالله أعلم . قلت : هذا الشعر إن صح عنه ، فليس عنه اعتذار ، لا في الدار الآخرة ، ولا في هذه الدار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إبراهيم بن محمد بن سختويه بن عبد الله المزكي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد الحفاظ المبرزين ، أنفق على الحديث وأهله أموالا جزيلة ، وسمع الناس بتخريجه ، وعقد له مجلس الإملاء بنيسابور ، ورحل وسمع من المشايخ شرقا وغربا ، ومن مشايخه ابن جرير وابن أبي حاتم ، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من كبار المحدثين ، منهم أبو العباس الأصم وأضرابه ، وكانت وفاته في هذه السنة عن سبع وستين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن القاسم بن العلاء بن خالد أبو عمرو البرذعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 343 ] أحد الحفاظ ، روى عنه الدارقطني وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن الحسن بن كوثر بن علي ، أبو بحر البربهاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عن إبراهيم الحربي وتمتام والباغندي والكديمي وغيرهم ، وقد روى عنه ابن رزقويه وأبو نعيم ، وانتخب عليه الدارقطني ، وقال : اقتصروا على ما خرجته له ، فقد اختلط صحيح سماعه بفاسده ، وقد تكلم فيه غير واحد من حفاظ زمانه بسبب تخليطه وغفلته ، واتهمه بعضهم بالكذب أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي الحسين بن محمد بن أحمد ، أبو علي المروروذي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد مشايخ المذهب في زمانه ، وله التعليقة المشهورة ، تفقه بأبي بكر القفال المروزي وأخذ عنه جماعة منهم البغوي صاحب " التهذيب " و " التفسير " و " شرح السنة " و " المصابيح " وغير ذلك ، وقد ذكرته في الطبقات بما فيه كفاية . قال ابن خلكان وإذا قال الإمام والغزالي : قال القاضي . فهو هذا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية