الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا قال هو من صيد البحر قال وما يدريك قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين

                                                                                                          وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهى عنه فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به

                                                                                                          قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله ولا بأس أن يجعله عند أهله

                                                                                                          قال مالك في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك إنه حلال للمحرم أن يصطاده

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          792 782 - ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار ) ، أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ، ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، وجدوا لحم صيد ) ، صاده حلال ، ( فأفتاهم كعب بأكله ، قال : فلما قدموا على عمر بن الخطاب ) بالمدينة ( ذكروا ذلك له ، فقال : من أفتاكم بهذا ؟ قالوا : كعب ، قال : فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا ) من نسككم ، لعلمه ، فتقتدوا فيما عرض لكم ، ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل ) - بكسر الراء ، وسكون الجيم - قطيع ( من جراد ، فأفتاهم كعب أن يأخذوه ، فيأكلوه ، فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال : ما حملك على أن تفتيهم بهذا ؟ ) أكل الجراد وهم محرمون ، ( قال : هو من صيد البحر ) ، وقد قال تعالى : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ( سورة المائدة : الآية 96 ) ، ( قال : وما يدريك ؟ ) ; يعلمك ، ( قال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده إن ) - أي ما - ( هي إلا نثرة حوت ، ) قال الهروي ، وغيره : أي عطسته .

                                                                                                          وفي الصحاح ، وغيره : النثرة للبهائم كالعطسة لنا .

                                                                                                          ( ينثر ) - بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب ، أي يرميه متفرقا ، ( في كل عام مرتين ) ، وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس : " أن الجراد : نثرة الحوت من البحر " ، وفي أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، مرفوعا : " الجراد من صيد البحر " ، وفي رواية : " إنما هو من صيد البحر " لكنها أحاديث ضعفها أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما ، فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ، ولذا قال الأكثر ، كمالك ، والشافعي : أنه من صيد البر ، فيحرم التعرض له ، وفيه قيمته ، وقد جاء ما يدل على [ ص: 419 ] رجوع كعب عن هذا ، فروى الشافعي بسند صحيح ، أو حسن ، عن عبد الله بن أبي عمار : " أقبلنا مع معاذ بن جبل ، وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق ، وكعب على نار يصطلي ، فمرت به رجل جراد ، فأخذ جرادتين فقتلهما ، وكان قد نسي إحرامه ، ثم ذكره فألقاهما ، فلما قدمنا المدينة على عمر ، قص عليه كعب قصة الجرادتين ، فقال : ما جعلت على نفسك ؟ قال : درهمين ، قال : بخ درهمان خير من مائة جرادة " نعم ، لو عم الجراد المسالك ، ولم يجد بدا من وطئه ، فلا ضمان وليتحفظ منه .

                                                                                                          وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه .

                                                                                                          وقد روى الساجي عن كعب ، قال : خرج أوله من منخر حوت ، فأفاد أن أول خلقه من ذلك ، لا تعلم صحته ، ولم يكذبه عمر ، ولا صدقه ، لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة ، والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ، ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاءوا به ، أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه .

                                                                                                          ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه ) ; يشتريه ( المحرم ؟ فقال : أما ما كان من ذلك يعترض ) - يقصد ( به - الحاج ومن أجلهم صيد ، فإني أكرهه ) تحريما ، ( وأنهى عنه ) تحريما ، وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة : التحريم ، ( فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين ) بحج ، أو عمرة ، ( فوجده محرم ، فابتاعه فلا بأس به ) ، أي يجوز له شراؤه ، ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده ، أو ابتاعه : فليس عليه أن يرسله ) إذا كان في بيته ، ( ولا بأس أن يجعله عند أهله ) ، أي يبقيه عندهم ، وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه ، وهو معه إلى أهله .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : كذا ليحيى وطائفة .

                                                                                                          وزاد ابن وهب ، وطائفة في الموطأ قال مالك : من أحرم ، وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن ، فليس عليه أن يرسله ، ولا شيء عليه إن تركه في أهله .

                                                                                                          قال ابن وهب : وسألت مالكا عن الحلال يصيد الصيد ، أو يشتريه ، ثم يحرم وهو معه في قفص ، فقال : يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه .

                                                                                                          فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده ، وإن كان في أهله فلا شيء عليه .

                                                                                                          وقاله أبو حنيفة ، وأصحابه ، وأحمد ، والشافعي في أحد [ ص: 420 ] قوليه ، والآخر ليس عليه إرساله كان في يده ، أو أهله .

                                                                                                          ( قال مالك في صيد الحيتان ) ، وغيرها من صيد البحر ، ( في البحر ، والأنهار ، والبرك ، وما أشبه ذلك ) ، كالغدير : ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده ) بنص القرآن .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب ، قال تعالى : وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ( سورة فاطر : الآية 12 ) ، فكل ما كان أغلب عيشه في الماء ، فمن صيد البحر .




                                                                                                          الخدمات العلمية