الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن حال دون منظره غيم ، أو قتر ليلة الثلاثين : وجب صيامه بنية رمضان ، في ظاهر المذهب ) وهو المذهب عند الأصحاب . ونصروه ، وصنفوا فيه التصانيف ، وردوا حجج المخالف وقالوا : نصوص أحمد تدل عليه ، وهو من مفردات المذهب ، وعنه لا يجب صومه قبل رؤية هلاله ، أو إكمال شعبان ثلاثين . قال الشيخ تقي الدين : هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه ، وقال : لا أصل للوجوب في كلام الإمام أحمد ، ولا في كلام أحد من الصحابة . ورد صاحب الفروع جميع ما احتج به الأصحاب للوجوب . وقال : لم أجد عن أحمد قولا صريحا بالوجوب ، ولا أمر به ، فلا يتوجه إضافته إليه ، واختار هذه الرواية أبو الخطاب ، وابن عقيل . ذكره في الفائق ، واختارها صاحب التبصرة . قاله في الفروع ، واختارها الشيخ تقي الدين وأصحابه . منهم : صاحب التنقيح ، والفروع ، والفائق وغيرهم ، وصححه ابن رزين في شرحه . [ ص: 270 ] فعلى هذه الرواية : يباح صومه . قال في الفائق : اختاره الشيخ تقي الدين وقيل : بل يستحب . قال الزركشي : اختاره أبو العباس .

انتهى ، قال في الاختيارات : وحكى عن أبي العباس أنه كان يميل أخيرا إلى أنه لا يستحب صومه . انتهى . وعنه الناس تبع للإمام ، إن صام صاموا ، وإلا فيتحرى في كثرة كمال الشهور ونقصها ، وإجباره بمن لا يكتفى به ، وغير ذلك من القرائن ، ويعمل بظنه ، وقيل : إلا المنفرد برؤيته ، فإنه يصومه على الأصح ، وقيل : الناس تبع للإمام في الصوم والفطر إلا المنفرد برؤيته ، فإنه يصومه . حكى هذين القولين صاحب الرعاية . قلت : المذهب وجوب صوم المنفرد برؤيته ، على ما يأتي في كلام المصنف رحمه الله قريبا . وعنه صومه منهي عنه . قاله في الفروع ، وقال : اختاره أبو القاسم بن منده الأصفهاني وأبو الخطاب ، وابن عقيل وغيرهم . قال الزركشي ، وقد قيل : إن هذا اختيار ابن عقيل ، وأبي الخطاب في خلافيهما . قال : والذي نصره أبو الخطاب في الخلاف الصغير : كالأول ، وأصل هذا في الكثير . انتهى ، فعلى هذه الرواية ، قيل : يكره صومه ، وذكره ابن عقيل رواية ، وقيل : النهي للتحريم ، ونقله حنبل . ذكره القاضي ، وأطلقهما في الفروع ، والزركشي ، والفائق ، فقال : وإذا لم يجب ، فهل هو مباح أو مندوب ، أو مكروه ، أو محرم ؟ على أربعة أوجه ، اختار شيخنا الأول . انتهى .

قال بعض الأصحاب : يجيء في صيامه الأحكام الخمسة . قال الزركشي : وقول سادس بالتبعية ، وعمل ابن عقيل في موضع من الفنون بعادة غالبة ، كمضي شهرين كاملين ، فالثالث ناقص ، وقال : هو معنى التقدير ، وقال أيضا : البعد مانع كالغيم ، فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم أن يصوم مع البعد لاحتماله . [ ص: 271 ] وقال أيضا : الشهور كلها مع رمضان في حق المطمور : كاليوم الذي يشك فيه من الشهر في التحرز ، وطلب التحقق . ولا أحد قال بوجوب الصوم ، بل بالتأخير ليقع أداء أو قضاء . كذا لا يجوز تقديم صوم لا يتحقق من رمضان ، وقال في مكان آخر : أو يظنه ، لقبولنا شهادة واحد .

تنبيه : فعلى قول الأصحاب : يجوز صومه بنية رمضان ، حكما ظنيا بوجوبه احتياطا يجزئ على الصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، وعنه ينويه حكما جازما بوجوبه . وذكره ابن أبي موسى عن بعض الأصحاب ، وجزم به في الوجيز . قال الزركشي : حكي عن التميمي ، فعلى المقدم وهو الصحيح يصلى التراويح . على أصح الوجهين ، اختاره ابن حامد ، والقاضي ، وجماعة . منهم ولده القاضي أبو الحسين . قال في المستوعب في صلاة التطوع ، وصاحب الحاوي الكبير : هذا الأقوى عندي . قال المجد في شرحه : هو أشبه بكلام أحمد في رواية الفضل : القيام قبل الصيام احتياط لسنة قيامه ، ولا يتضمن محذورا ، والصوم نهي عن تقديمه . قال في تجريد العناية : وتصلى التراويح ليلتئذ في الأظهر . قال ابن تميم : فعلت في أصح الوجهين . قال ابن الجوزي : هو ظاهر كلام الإمام أحمد ، واختيار مشايخنا المتقدمين . ذكره في كتاب " درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم " ، والوجه الثاني : لا تصلى التراويح . اقتصارا على النص ، اختاره أبو حفص والتميميون وغيرهم ، وجزم به ابن عبدوس في تذكرته ، وصاحب المنور ، وصححه في تصحيح المحرر . قال في التلخيص : وهو أظهر . قال الناظم : هو أشهر القولين ، وأطلقهما في المحرر ، وشرح الهداية ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، والزركشي ، والقواعد الفقهية ، وهو ظاهر الفروع ، وأما بقية الأحكام : من حلول الآجال ، ووقوع المتعلقات ، وانقضاء العدد ، ومدة الإيلاء وغير ذلك : فلا يثبت منها شيء على الصحيح عندهم ، وقدمه في [ ص: 272 ] الفروع ، وقال : هو أشهر ، وذكر القاضي احتمالا : تثبت هذه الأحكام كما يثبت الصوم وتوابعه ، وتبييت النية ، ووجوب الكفارة بالوطء فيه ، ونحو ذلك . قال في القواعد : وهو ضعيف . قال الزركشي : هما احتمالان للقاضي في التعليق ، وأطلقهما . وعلى رواية أنه ينويه حكما : بوجوبه جاز ما يصلي التراويح أيضا على الصحيح ، وجزم به أكثر الأصحاب . وقيل : لا يصلي .

التالي السابق


الخدمات العلمية