الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ؛ معنى " كتب عليكم " : " فرض عليكم " ؛ وقوله: " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ؛ يقال: إنه كان لقوم من العرب طول على آخرين؛ فكانوا يتزوجون فيهم بغير مهور؛ ويطلبون بالدم أكثر من مقداره؛ فيقتلون بالعبد من عبيدهم الحر من الذين لهم عليهم طول؛ فأنزل الله - عز وجل -: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ؛ أي: من ترك له القتل؛ ورضي منه بالدية؛ وهو قاتل متعمد للقتل؛ عفي له بأن ترك له دمه؛ ورضي منه بالدية؛ قال الله - عز وجل -: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ؛ وذكر أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم إلا النفس؛ كما قال - عز وجل -: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ؛ أي: في التوراة؛ فتفضل الله على هذه الأمة بالتخفيف والدية؛ إذا رضي بها ولي الدم؛ ومعنى " فاتباع بالمعروف " ؛ على ضربين: جائز أن يكون " فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف - أي: المطالبة بالدية -؛ وعلى القاتل أداء بإحسان " ؛ وجائز أن يكون الاتباع بالمعروف؛ والأداء بإحسان جميعا على القاتل - والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ؛ أي: بعد أخذ الدية؛ ومعنى " اعتدى " : ظلم؛ فوثب؛ فقتل قاتل صاحبه؛ بعد أخذ الدية؛ " فله عذاب أليم " ؛ أي: موجع. [ ص: 249 ] ورفع " فاتباع بالمعروف " ؛ على معنى: " فعليه اتباع " ؛ ولو كان في غير القرآن لجاز: " فاتباعا بالمعروف وأداء... " ؛ على معنى: " فليتبع اتباعا... ويؤد أداء... " ؛ ولكن الرفع أجود في العربية؛ وهو على ما في المصحف؛ وإجماع القراء؛ فلا سبيل إلى غيره.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية