الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المعنى : شهر بشهر وحرمة بحرمة ، وصار ذلك أصلا في كل مكلف قطع به عذر أو عدو عن عبادة ثم قضاها أن الحرمة واحدة والمثوبة سواء .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن المشركين قالوا : أنهيت يا محمد عن القتال في شهر الحرام ؟ قال : نعم ، فأرادوا قتاله فيه ، فنزلت الآية .

                                                                                                                                                                                                              المعنى إن استحلوا ذلك فيه فقاتلهم عليه ، فإن الحرمة بالحرمة قصاص .

                                                                                                                                                                                                              قال علماؤنا : وهذا دليل على أن لك أن تبيح دم من أباح دمك ، وتحل مال من استحل مالك ، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه بمقدار ما قال فيك ، ولذلك كله تفصيل : أما من أباح دمك فمباح دمه لك ، لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذ لثأرك بيدك ، ولا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                                              وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه ، إذا كان من جنس مالك : طعاما بطعام ، وذهبا بذهب ، وقد أمنت من أن تعد سارقا .

                                                                                                                                                                                                              وأما إن تمكنت من ماله بما ليس من جنس مالك فاختلف العلماء ; فمنهم من قال : [ ص: 159 ] لا يؤخذ إلا بحكم حاكم ، ومنهم من قال : يتحرى قيمته ويأخذ مقدار ذلك ، وهو الصحيح عندي .

                                                                                                                                                                                                              وأما إن أخذ عرضك فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه .

                                                                                                                                                                                                              لكن ليس لك أن تكذب عليه ، وإن كذب عليك ، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية ; فلو قال لك مثلا : يا كافر ، جاز لك أن تقول له : أنت الكافر ; وإن قال لك : يا زان ، فقصاصك أن تقول : يا كذاب ، يا شاهد زور .

                                                                                                                                                                                                              ولو قلت له : يا زان ، كنت كاذبا فأثمت في الكذب ، وأخذت فيما نسب إليك من ذلك ، فلم تربح شيئا ، وربما خسرت .

                                                                                                                                                                                                              وإن مطلك وهو غني دون عذر قل : يا ظالم ، يا آكل أموال الناس .

                                                                                                                                                                                                              قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح : { لي الواجد يحل عرضه وعقوبته } . أما عرضه فبما فسرناه ، وأما عقوبته فبالسجن حتى يؤدي .

                                                                                                                                                                                                              وعندي أن العقوبة هي أخذ المال كما أخذ ماله ، وأما إن جحدك وديعة وقد استودعك أخرى فاختلف العلماء فيه ; فمنهم من قال : اصبر على ظلمه ، وأد إليه أمانته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك } .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 160 ] ومنهم من قال : اجحده ، كما جحدك ; لكن هذا لم يصح سنده ، ولو صح فله معنى صحيح ، وهو إذا أودعك مائة وأودعته خمسين فجحد الخمسين فاجحده خمسين مثلها ، فإن جحدت المائة كنت قد خنت من خانك فيما لم يخنك فيه ، وهو المنهي عنه ، وبهذا الأخير أقول ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } : هذه الآية عموم متفق عليه وعمدة فيما تقدم بيانه وفيما جانسه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية