الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            16061 - وعن الزارع : أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج معه بأخيه لأمه - يقال له : مطر بن هلال بن عنزة - وخرج بابن أخ له مجنون ، ومعهم الأشج - وكان اسمه المنذر بن عائذ - فقال المنذر : يا زارع ، خرجت معنا برجل مجنون وفتى شاب ، ليس [ ص: 389 ] منا وافدين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال الزارع : أما المصاب ؛ فآتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو له عسى أن يعافيه الله ، وأما الفتى العنزي ؛ فإنه أخي لأمي وأرجو أن يدعو له النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوة ، تصيبه دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                            فما عدا أن قدمنا المدينة قلنا : هذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما تمالكنا أن وثبنا عن رواحلنا ، فانطلقنا إليه سراعا ، فأخذنا يديه ورجليه نقبلهما ، وأناخ المنذر راحلته فعقلها ، وذاك بعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عمد إلى رواحلنا فأناخها راحلة راحلة ، فعقلها كلها ، ثم عمد إلى عيبته ففتحها فوضع عنها ثياب السفر ، ثم أتى يمشي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا أشج ، إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله " . قال : وما هما بأبي وأمي ؟ قال : " الحلم ، والأناة " . قال : فأنا تخلقت بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : " بل الله جبلك عليهما " . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله : الحلم ، والأناة .

                                                                                            قال الزارع : يا نبي الله ، بأبي وأمي جئت بابن أخ لي مصاب ؛ لتدعو الله له وهو في الركاب قال : " فأت به " . قال : فأتيته وقد رأيت الذي صنع الأشج ، فأخذت عيبتي فأخرجت منها ثوبين حسنين ، وألقيت عنه ثياب السفر وألبستهما إياه ، ثم أخذت بيده فجئت به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر نظر المجنون ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اجعل ظهره من قبلي " . فأقمته فجعلت ظهره من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجهه من قبلي ، فأخذه ، ثم جره بمجامع ردائه فرفع يده حتى رأيت بياض إبطيه ، ثم ضرب بثوبه ظهره ، وقال : " اخرج يا عدو الله " . فالتفت وهو ينظر نظر الصحيح ، ثم أقعده بين يديه فدعا له ومسح وجهه . قال : فلم تزل تلك المسحة في وجهه وهو شيخ كبير ، كأن وجهه وجه عذراء شبابا ، وما كان في القوم رجل يفضل عليه بعد دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                            ثم دعا لنا عبد القيس ، فقال : " خير أهل المشرق ، رحم الله عبد القيس إذ أسلموا غير خزايا إذ أبى بعض الناس أن يسلموا " . قال : ثم لم يزل يدعو لنا حتى زالت الشمس .

                                                                                            قال الزارع : يا رسول الله ، إن معنا ابن أخت لنا ليس منا قال : " ابن أخت القوم منهم " . فانصرفنا راجعين ، فقال الأشج : إنك كنت يا زارع أمثل مني رأيا فيهما ، وكان في القوم جهم بن قثم ، كان قد شرب قبل ذلك بالبحرين مع ابن عم له ، فقام إليه ابن عمه فضرب ساقه بالسيف ، فكانت تلك الضربة في ساقه ، فقال بعض [ ص: 390 ] القوم : يا رسول الله ، بأبي وأمي إن أرضنا ثقيلة وخمة ، وإنا نشرب من هذا الشراب على طعامنا ، فقال : لعل أحدكم أن يشرب الإناء ثم يزداد إليها أخرى حتى يأخذ منه الشراب فيقوم إلى ابن عمه فيضرب ساقه بالسيف " . فجعل يغطي جهم بن قثم ساقه .

                                                                                            قال : فنهاهم عن الدباء ، والنقير ، والحنتم
                                                                                            .

                                                                                            قلت : عند أبي داود طرف منه .

                                                                                            رواه البزار ، وفيه أم أبان بنت الزارع روى لها أبو داود . وسكت على حديثها ، فهو حسن ، وبقية رجاله ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية