الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن لم يكن شيء من ذلك نظرت فإن كان ممن كان يعرف الدلائل فإن كان غائبا من مكة اجتهد في طلب القبلة ; لأن له طريقا إلى معرفتها بالشمس والقمر والجبال والرياح ، ولهذا قال الله تعالى { : وعلامات وبالنجم هم يهتدون } فكان له أن يجتهد كالعالم في الحادثة ، وفي فرضه قولان : قال في الأم : فرضه إصابة العين ; لأن من لزمه فرض القبلة لزمه إصابة العين كالمكي ، وظاهر ما نقله المزني أن الفرض هو الجهة ; لأنه لو كان الفرض هو العين لما صحت صلاة الصف الطويل ; لأن فيهم من يخرج عن العين ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا لم يعرف الغائب عن أرض مكة القبلة ولم يجد محرابا ولا من يخبره على ما سبق لزمه الاجتهاد في القبلة ويستقبل ما أدى إليه اجتهاده ، قال أصحابنا : ولا يصح إلا بأدلة القبلة وهي كثيرة وفيها كتب مصنفة وأضعفها الرياح لاختلافها ، وأقواها القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى ، بين الفرقدين والجدي وإذا اجتهد وظن القبلة في جهة بعلامة صلى إليها ، ولا يكفي الظن بلا علامة بلا خلاف ، بخلاف الأواني فإن فيها وجها ضعيفا أنه يكفي الظن فيها بغير علامة وذلك الوجه لا يجيء هنا بالاتفاق وقد سبق هناك الفرق ، ولو ترك القادر على الاجتهاد الاجتهاد وقلد مجتهدا لم تصح صلاته وإن صادف القبلة ; لأنه ترك وظيفته في [ ص: 203 ] الاستقبال فلم تصح صلاته ، كما لو صلى بغير تقليد ولا اجتهاد وصادف ، فإنه لا يصح بالاتفاق ، وسواء ضاق الوقت أم لم يضق . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه لابن سريج أنه يقلد عند ضيق الوقت وخوف الفوات وهو ضعيف . وفي فرض المجتهد ومطلوبه قولان ( أحدهما ) جهة الكعبة بدليل صحة صلاة الصف الطويل ، ونقل القاضي أبو الطيب وغيره الإجماع على صحة صلاتهم ، وأصحهما عينها اتفق العراقيون والقفال والمتولي والبغوي على تصحيحه ، ودليلهما في الكتاب . وأجاب الأصحاب عن صلاة الصف الطويل بأن مع طول المسافة تظهر المسامتة والاستقبال كالنار على جبل ونحوها قال البندنيجي : القول بأن فرضه الجهة نقله المزني وليس هو بمعروف للشافعي وكذا أنكره الشيخ أبو حامد وآخرون ، وسلك إمام الحرمين والغزالي طريقة أخرى شاذة ضعيفة اخترعها الإمام تركتها لشذوذها ، واحتج الأصحاب للقول بالعين بحديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة خرج فصلى إليها وقال : هذه القبلة } رواه البخاري ومسلم ، وهو حديث أسامة بن زيد الذي ذكره المصنف في أول الباب ، واحتجوا للجهة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما بين المشرق والمغرب قبلة } رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وصح ذلك عن عمر رضي الله عنه موقوفا عليه . .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في ذلك .

                                      قد ذكرنا أن الصحيح عندنا أن الواجب إصابة عين الكعبة ، وبه قال بعض المالكية ورواية عن أحمد وقال أبو حنيفة الواجب الجهة ، وحكاه الترمذي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن المبارك وسبق دليلهما .



                                      ( فرع ) في تعلم أدلة القبلة ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه فرض كفاية ( والثاني ) فرض عين ، وصححه البغوي والرافعي كتعلم الوضوء وغيره من شروط الصلاة وأركانها ( والثالث ) وهو الأصح أنه فرض كفاية إلا أن يريد سفرا فيتعين ، لعموم حاجة المسافر وكثرة الاشتباه عليه ، ولا يصح قول من [ ص: 204 ] أطلق أنه فرض عين إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف ألزموا آحاد الناس تعلم أدلة القبلة ، بخلاف أركان الصلاة وشروطها ; لأن الوقوف على القبلة سهل غالبا ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية