الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا أنا لم نعلم من السلف من قال إنه فرق فيمن لم يبلغ بين صنف وصنف في القتل أو في عقاب الآخرة، بل الفقهاء متفقون على أن العقوبات التي فيها إتلاف، كالقتل والقطع، لا تكون إلا لبالغ. لكن قد يجمع بين هذا وهذا بأن يقال: الإثم الموجب لعقاب الآخرة مرفوع عمن لم يبلغ. وكذلك العقوبات الدنيوية التي فيها إتلاف. فأما التعزير بالضرب ونحوه فلم يرفع عن المميز من الصبيان.

بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» فأمر بضربهم على ترك الواجب الشرعي الذي هو الصلاة، فضربهم على الكذب والظلم أولى. وهذا مما لا يعلم بين العلماء فيه نزاع: أن الصبي يؤذى على ما يفعله من القبائح وما يتركه من الأمور التي يحتاج إليها في مصلحته. [ ص: 65 ]

وهذا النزاع من لوازم الواجبات العقلية للمميزين عند من يقول بالإيجاب العقلي، نظير النزاع في الواجبات الشرعية، فإن أحد القولين في مذهب أحمد، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز: أن الصلاة تجب على ابن عشر. وكذلك الصوم يجب عليه إذا أطاقه.

وحينئذ فإيجاب أبي الخطاب وموافقيه للتوحيد أولى من هذا. بل يقال: لو لم يقل بالوجوب العقلي فإنه يجب أن يقال: إن الصبي يجب عليه الإقرار بالشهادتين قبل وجوب الصلاة عليه، فإن وجوبهما متقدم على وجوب الصلاة بالاتفاق. وأما ما يجب في مال الصبي من النفقات وقضاء الديون وغيره، والعشور والزكوات عند الجمهور الذين يوجبون الزكاة في ماله، فذلك لا يشترط فيه التمييز باتفاق المسلمين، بل يجب ذلك في مال المجنون أيضا، وفي مال الطفل.

وللفقهاء في إسلام الصبي وردته وإحرامه، وغير ذلك من أقواله وأفعاله، كلام معروف، ليس هذا موضع بسطه. وفي ذلك من تناقض أقوال بعضهم، ورجحان بعض الأقوال على بعض ما ليس هذا موضعه، وإنما المقصود هنا أن أعظم الناس تعظيما للعقل هم القائلون بأنه يوجب ويحظر، ويحسن ويقبح، كالمعتزلة والكرامية والشيعة القائلين بذلك، ومن وافقهم من طوائف الفقهاء والعلماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية