الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        المعتدات أصناف :

                                                                                                                                                                        الأول : من لها حيض وطهر صحيحان ، فتعتد بالأقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها .

                                                                                                                                                                        الصنف الثاني : المستحاضة ، فإن كان لها مرد ، اعتدت بالأقراء المردود إليها من تمييز أو عادة ، أو الأقل ، أو الغالب إن كانت مبتدأة كما سبق في الحيض ، والأظهر : رد المبتدأة إلى الأقل . وعلى القولين : إذا مضت ثلاثة أشهر ، انقضت عدتها ، لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا ، وشهرها ثلاثون يوما ، والحساب من أول رؤية الدم ، هكذا أطلق ، ويمكن أن يعتبر بالأهلة ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الناسية ، وقد أشار إليه مشيرون ، فإن لم يكن لها مرد وهي المتحيرة ، فقد سبق في كتاب الحيض أنها على قول ترد إلى مرد المبتدأة ، وأن المذهب أن عليها الاحتياط . فإن قلنا : كالمبتدأة ، انقضت عدتها بثلاثة أشهر ، وإن قلنا بالاحتياط ، فالأصح أنها كالمبتدأة أيضا لعظم المشقة في الانتظار . والثاني : يلزمها الاحتياط كمن تباعد حيضها ، فتؤمر بالتربص إلى سن اليأس ، أو أربع سنين ، أو تسعة أشهر ، على الخلاف الآتي ، ولا نقول : تمتد الرجعة وحق السكنى جميع هذه المدة ، لأن الزوج يتضرر به ، بل لا يزيد ذلك على ثلاثة أشهر ، ويختص الاحتياط بما يتعلق بها ، وهو تحريم النكاح .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : تنقضي عدتها بثلاثة أشهر في الحال ، فالاعتبار بالأهلة ، فإن انطبق الطلاق على أول الهلال ، فذاك ، وإن وقع في أثناء الشهر الهلالي ، فإن كان الباقي أكثر من خمسة عشر يوما ، حسب قرءا ، وتعتد بعده بهلالين . وإن كان خمسة عشر فما دونها ، فهل يحسب قرءا ؟ وجهان . أصحهما : لا . وعلى هذا ، فقد ذكر أكثرهم أن ذلك الباقي لا اعتبار به ، وأنها تدخل [ ص: 370 ] في العدة لاستقبال الهلال . والمفهوم مما قالوا تصريحا وتلويحا أن الأشهر ليست متأصلة في حق الناسية ، ولكن يحسب كل شهر قرءا لاشتماله على حيض وطهر غالبا . وأشار بعضهم إلى أن الأشهر أصل في حقها ، كما في حق الصغيرة والمجنونة ، ومقتضى هذا أن تدخل في العدة من وقت الطلاق ، ويكون كما لو طلق ذات الأشهر في أثناء الشهر ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى . ولو كانت المتحيرة المنقطعة الدم ، ترى يوما دما ، ويوما نقاء ، لم تنقض عدتها إلا بثلاثة أشهر سواء قلنا بالتلفيق أم بالسحب .

                                                                                                                                                                        والأطهار الناقصة المتخللة لا تنقضي بها العدة بحال .

                                                                                                                                                                        الصنف الثالث : من لم تر دما ليأس ، وصغر ، أو بلغت سن الحيض أو جاوزته ولم تحض ، فعدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن ، ولو ولدت ولم تر حيضا قط ولا نفاسا ، فهل تعتد بالأشهر ، أم هي كمن انقطع حيضها بلا سبب ؟ وجهان . وبالأول قال الشيخ أبو حامد .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح الاعتداد بالأشهر ، لدخولها في قول الله تعالى : ( واللائي لم يحضن ) وذكر الرافعي في آخر العدد عن فتاوى البغوي : أن التي لم تحض قط ، إذا ولدت ونفست ، تعتد بثلاثة أشهر ، ولا يجعلها النفاس من ذوات الأقراء فجزم البغوي بهذا ، ولم يذكر الرافعي هناك خلافا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية