الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        ثم إن الأشهر معتبرة بالهلال ، وعليه المواقيت الشرعية ، وإن انطبق الطلاق على أول الهلال ، فذاك ، وإن انكسر ، اعتبر شهران بالهلال ، ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الرابع . فقال ابن بنت الشافعي : إذا انكسر شهر ، انكسر الجميع ، والصحيح الأول . وإذا وقع الطلاق في أثناء الليل أو النهار ، ابتدئ حساب الشهر من حينئذ . وإذا اعتدت صغيرة بالأشهر ثم حاضت بعد فراغها ، فقد انقضت العدة ، ولا يلزمها الأقراء ، ولو حاضت في أثناء الأشهر ، انتقلت [ ص: 371 ] إلى الأقراء وهل يحسب ما مضى قرءا ؟ وجهان . أقربهما إلى ظاهر النص المنع .

                                                                                                                                                                        فإن كانت الآيسة والتي لم تحض أمة ، فهل عدتها ثلاثة أشهر ، أم شهران ، أم شهر ونصف ؟ فيه أقوال . قال المحاملي : أظهرها : الأول ، واختاره الروياني ، قال : ولكن القياس ، وظاهر المذهب ، شهر ونصف ، وعليه جمهور أصحابنا الخراسانيين .

                                                                                                                                                                        الصنف الرابع : من انقطع دمها ، ينظر ، إن انقطع لعارض يعرف ، لرضاع ، أو نفاس ، أو مرض ، أو داء باطن ، صبرت حتى تحيض ، فتعتد بالأقراء ، أو تبلغ سن اليأس ، فتعتد بالأشهر ، ولا تبالي بطول مدة الانتظار ، وإن انقطع لا لعلة تعرف ، فالقول الجديد : أنه كالانقطاع لعارض ، والقديم : أنها تتربص تسعة أشهر . وفي قول أربع سنين ، وفي قول مخرج ستة أشهر ، ثم بعد التربص ، تعتد بثلاثة أشهر . فإذا قلنا بالقديم فحاضت بعد التربص والعدة وبعدما تزوجت ، استمر النكاح للثاني على الصحيح ، وقيل : يتبين بطلانه ، لتبيننا أنها ليست من ذوات الأشهر ، وإن حاضت قبل تمام التربص ، بطل التربص وانتقلت إلى الأقراء ، ويحسب ما مضى قرءا بلا خلاف ، فإن لم يعاودها الدم ، ولم تتم الأقراء ، استأنفت التربص لتعتد بعده بالأشهر ، لأن التربص الأول بطل بظهور الدم .

                                                                                                                                                                        قال المتولي : لا نأمرها باستئناف التربص ، لأنا على هذا القول ، لا نعتبر اليأس ، وإنما نعتبر ظهور براءة الرحم وقد ظهرت البراءة ، ورؤية الدم تؤكد البراءة . والصحيح المعروف ، هو الأول ، وإن حاضت بعد التربص ، وفي مدة العدة انتقلت إلى الأقراء ، فإن لم يعاودها الدم ، عاد الصحيح ، وقول المتولي . وإذا تربصت ، فتبني الأشهر على ما مضى من الأشهر الثلاثة ، أم تستأنف الأشهر ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : تستأنف كما تستأنف التربص ، وأصحهما : تبني ، لأن ما مضى من الأشهر كان من صلب العدة ، فلا معنى لإبطاله ، بخلاف التربص ، فعلى هذا في كيفية البناء وجهان . أحدهما : تعد ما مضى قرءا ، ويبقى عليها قرءان ، فتعتد بدلهما بشهرين . وعلى هذا ، لو حاضت مرتين ، بقي عليها قرء ، فتعتد [ ص: 372 ] بدله بشهر . وأصحهما : يحسب ما مضى من الأيام ، وتتمه ثلاثة أشهر ، ولا تضم بعض الأشهر إلى بعض الأقراء ، لئلا يجمع بين البدل والمبدل ، هكذا أطلقوا ذكر عدم المعاودة في الصورتين ، ولم يقولوا : إذا لم تعد إلى مدة كذا . ويشبه أن يضبط بعادتها القديمة ، أو بغالب عادات النساء .

                                                                                                                                                                        وإن حاضت بعد التربص والأشهر ، وقبل النكاح ، فأوجه . أصحها وينسب إلى النص : تنتقل إلى الأقراء . والثاني : لا ، بل انقضت العدة . والثالث : عن أبي هريرة : إن اعتدت بالأشهر بحكم قاض ، لم ينقض حكمه ، ولم تنتقل إلى الأقراء ، وإن اعتدت بها بمجرد فتوى ، انتقلت ، وسواء في هذه الصور والأحكام ، جعلنا التربص ستة أشهر أو تسعة ، أو أربع سنين ، هذا كله تفريع القديم .

                                                                                                                                                                        أما إذا قلنا بالجديد وهو انتظار سن اليأس ، ففي النسوة المعتبرات قولان . أظهرهما وإليه ميل الأكثرين : يعتبر أقصى يأس نساء العالم . قال الإمام : ولا يمكن طوف العالم ، وإنما المراد ما يبلغ خبره ويعرف . وعلى هذا ، فالأشهر أن سن اليأس ، اثنان وستون سنة ، وقيل : ستون ، وقيل : خمسون ، حكاهما أبو الحسن بن خيران في كتابه اللطيف ، وحكاهما غيره . وقال السرخسي : تسعون سنة .

                                                                                                                                                                        وحكي أن امرأة حاضت لتسعين سنة ، وعن أبي علي الطبري تخريج وجه أنه يعتبر سن اليأس غالبا ، ولا يعتبر الأقصى . والقول الثاني ، أنه يعتبر يأس عشيرتها من الأبوين ، نص عليه في " الأم " . وقيل : يعتبر نساء العصبات ، وقيل : نساء البلد . فإذا رأت الدم بعد سن اليأس ، نظر ، إن رأته في أثناء الأشهر ، انتقلت إلى الأقراء ، وحسب ما مضى قرءا بلا خلاف ، فتضم إليه قرءين .

                                                                                                                                                                        واعلم أنا إذا اعتبرنا أقصى اليأس في العالم ، فبلغته ، ثم رأت الدم ، صار [ ص: 373 ] أقصى اليأس ما رأته ، ويعتبر بعد ذلك غيرها بها ، ثم إن لم يعاودها الدم ، رجعت إلى الأشهر . وهل تؤمر بالتربص قبلها تسعة أشهر ، أو أربع سنين ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، استظهارا ، وأصحهما : لا ، لأنها بلغت اليأس . ثم في التتمة ، أنها تعتد بشهرين ، بدلا عن قرأين ، والذي صححه الأئمة وحكوه عن القفال وغيره ، أنها تعتد بثلاثة أشهر تستأنفها . ولا يجيء في البناء الخلاف السابق في تفريع القديم ، لأنه في القديم تكفي غلبة الظن ، وهنا يطلب اليقين أو القرب منه . فإذا رأت الدم ، بطل ما ظنناه يأسا ، وبطل ما ترتب عليه من العدة ، فوجب الاستئناف .

                                                                                                                                                                        وأما إذا رأت الدم بعد تمام الأشهر ، فثلاثة أقوال . أحدها : لا يلزمها العود إلى الأقراء ، بل انقضت عدتها ، كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر . والثاني : يلزمها ، لأنه بان أنها ليست آيسة ، بخلاف الصغيرة ، فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن ، وهذا أصح عند البغوي . والثالث وهو الأظهر فيما يدل عليه كلام الأكثرين : إن كانت نكحت بعد الأشهر ، فقد تمت العدة ، والنكاح صحيح ، وإلا لزمها الأقراء ، وقطع صاحبا التتمة والشامل بصحة النكاح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية