الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من ذكر التورك في الرابعة

                                                                      963 حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد أخبرنا عبد الحميد يعني ابن جعفر ح و حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد يعني ابن جعفر حدثني محمد بن عمرو عن أبي حميد الساعدي قال سمعته في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحمد قال أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة قال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فاعرض فذكر الحديث قال ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يقول الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك فذكر الحديث قال حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر زاد أحمد قالوا صدقت هكذا كان يصلي ولم يذكرا في حديثهما الجلوس في الثنتين كيف جلس حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري حدثنا ابن وهب عن الليث عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ولم يذكر أبا قتادة قال فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري قال كنت في مجلس بهذا الحديث قال فيه فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم حدثنا أبو بدر حدثني زهير أبو خيثمة حدثنا الحسن بن الحر حدثنا عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه فذكر فيه قال فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو جالس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد ثم كبر فقام ولم يتورك ثم عاد فركع الركعة الأخرى فكبر كذلك ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير ثم ركع الركعتين الأخريين فلما سلم سلم عن يمينه وعن شماله قال أبو داود لم يذكر في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع إذا قام من ثنتين حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو أخبرني فليح أخبرني عباس بن سهل قال اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكر هذا الحديث ولم يذكر الرفع إذا قام من ثنتين ولا الجلوس قال حتى فرغ ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي في محضر عشرة يعني بين عشرة وحضرتهم ( قالوا فاعرض ) بهمزة وصل أي إذا كنت أعلم فاعرض في النهاية يقال عرضت عليه أمر كذا ، أو عرضت له الشيء أظهرته وأبرزته إليه اعرض بالكسر لا غير أي بين علمك بصلاته عليه السلام إن كنت صادقا فيما تدعيه لنوافقك إن حفظناه وإلا استفدناه ( ويفتخ ) بالخاء المعجمة ( أصابع رجليه ) أي يثنيها ويلينها فيوجهها إلى القبلة . وفي النهاية أي يلينها فينصبها ويغمز موضع المفاصل ويثنيها إلى باطن الرجل يعني حينئذ . قال وأصل الفتخ الكسر ، ومنه قيل للعقاب فتخ لأنها إذا انحطت كسرت [ ص: 181 ] جناحها . قال ابن حجر المكي : والمراد هاهنا نصبها مع الاعتماد على بطونها وجعل رءوسها للقبلة لخبر الصحيحين أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة ، وأشار بيده إلى أنفه ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين . ولخبر البخاري أنه - عليه السلام - سجد ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، ومن لازمها الاستقبال ببطونها والاعتماد عليها كذا في المرقاة ( ويرفع ) أي رأسه مكبرا ( ويثني ) بفتح الياء الأولى أي يعطف ( حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم ) أي في عقبها التسليم ( أخر ) أي أخرج رجله اليسرى أي من تحت مقعدته إلى الأيمن ( متوركا على شقه الأيسر ) أي مفضيا بوركه اليسرى إلى الأرض غير قاعد على رجليه .

                                                                      قال الطيبي : التورك أن يجلس الرجل على وركه أي جانب إليته ويخرج رجله من تحته ( قالوا ) أي العشرة من الصحابة ( صدقت ) أي فيما قلت ( هكذا كان ) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ولم يذكرا ) أي أحمد بن حنبل ومسدد ( في الثنتين ) أي في الركعتين الأوليين ( كيف جلس ) والمعنى أن أحمد بن حنبل ومسددا لم يبينا في روايتهما كيفية الجلوس في الركعتين الأوليين ، وأما غيرهما فقد صرح في حديث أبي حميد هذا بأنه - صلى الله عليه وسلم - جلس في الأوليين مفترشا .

                                                                      وفي حديث أبي حميد حجة قوية صريحة على أن المسنون في الجلوس في التشهد الأول الافتراش وفي الجلوس في الأخير التورك وهو مذهب الشافعي وهو الحق عندي والله تعالى أعلم .

                                                                      قال النووي : اختلف العلماء في أن الأفضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش ، فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك فيهما ، ومذهب الشافعي رحمه الله وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الأخير لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين .

                                                                      قال الشافعي رحمه الله تعالى : والأحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو أحدهما ، وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول والتورك في الأخير ، وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم انتهى .

                                                                      [ ص: 182 ] وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني ولأن المسبوق إذ رآه علم قدر ما سبق به ، واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم ، واختلف فيه قول أحمد والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .

                                                                      ( بهذا الحديث ) أي المذكور ( ولم يذكر ) . أي عيسى بن إبراهيم المصري ( أبا قتادة ) كما ذكره أحمد بن حنبل ومسدد في روايتهما المذكورة حيث قالا منهم أبو قتادة ( فإذا جلس في الركعتين ) أي الأوليين ( جلس على رجله اليسرى ) زاد البخاري ونصب اليمنى ( فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ) أي أخرجها من تحت مقعدته إلى الجانب الأيمن .

                                                                      في هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول غير هيئة الجلوس في الأخير .

                                                                      واعلم أن الحنفية ومن وافقهم حملوا هذا الحديث على العذر وعلى بيان الجواز وهو حمل يحتاج إلى دليل ، وذكر في إثبات مذهبهم وهو الافتراش في التشهدين أحاديث لا يثبت بها مطلوبهم ، منها حديث عائشة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرش رجله وينصب اليمنى " وحديث وائل : " صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قعد وتشهد فرش رجله اليسرى " أخرجه سعيد بن منصور . وحديث المسيء صلاته أنه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا جلست فاجلس على فخذك اليسرى أخرجه أحمد وأبو داود ، وحديث ابن عمر أنه قال " من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى " رواه النسائي . ولا يخفى على الفطن المنصف أن هذه الأحاديث وأمثالها بعضها لا يدل على مذهبهم صريحا بل يحتمله وغيره ، وما كان منها دالا صريحا لا يدل على كونه في جميع القعدات على ما هو [ ص: 183 ] المدعى ، والحق أنه لم يوجد حديث يدل صريحا على استنان الجلوس على الرجل اليسرى في القعدة الأخيرة ، وحديث أبي حميد مفصل فليحمل مفصل المبهم على المفصل والله تعالى أعلم .

                                                                      ( فإذا قعد في الركعتين ) أي الأوليين ( أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض ) أي مس بما لان من الورك الأرض . قال الجوهري : أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها ببطن راحته ( وأخرج قدميه من ناحية واحدة ) وهي ناحية اليمنى . والحديث يدل على نوع آخر من التورك وهو إخراج القدمين من ناحية واحدة لكن الحديث ضعيف . وقال في المرقاة إطلاق الإخراج على اليمنى تغليب لأن المخرج حقيقة هو اليسرى لا غير .

                                                                      ( فسجد فانتصب ) أي ارتفع واعتمد ( وهو جالس فتورك ونصب قدمه الأخرى ) قد تقدمت هذه الرواية في باب افتتاح الصلاة بلفظ " وهو ساجد ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى " وهذه الرواية المتقدمة هي الصحيحة معنى . وهذه الرواية تخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس فإنها ظاهرة في الافتراش بين السجدتين ، وفي بعض الروايات " فاعتدل على عقبه وصدور قدميه " قال الحافظ : فإن لم يحمل على التعدد فرواية عبد الحميد أرجح ( ثم جلس بعد الركعتين ) أي الأوليين ( حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير ) هذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال " ثم إذا [ ص: 184 ] قام من الركعتين ، كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة " قال الحافظ : ويمكن الجمع بينهما بأن التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله ، ويكون معنى قوله : إذا قام أي أراد القيام أو شرع فيه ( قال أبو داود ولم يذكر ) أي عيسى بن عبد الله ( في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع إذا قام من ثنتين ) حاصله أن عبد الحميد ذكر التورك في التشهد ورفع اليدين حين القيام من الركعتين الأوليين ولم يذكرهما عيسى ( فذكر هذا الحديث ) . قد تقدم الحديث في باب افتتاح الصلاة مطولا . ( ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ) قد احتج به القائلون بالافتراش في التشهد الأخير . وأجيب بأن هذه الجلسة التي ذكرت هيئتها في هذا الحديث هي جلسة التشهد الأول بدليل الروايات المتقدمة ، فإنه وصف هيئة الجلوس الأول بهذه الصفة ثم ذكر بعدها هيئة الجلوس الآخر ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة .




                                                                      الخدمات العلمية