الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 414 ] ( وإن ذرعه القيء وخرج ) ولم يعد ( لا يفطر مطلقا ) ملأ أو لا ( فإن عاد ) بلا صنعه ( و ) لو ( هو ملء الفم مع تذكره للصوم لا يفسد ) خلافا للثاني ( وإن أعاده ) أو قدر حمصة منه فأكثر حدادي ( أفطر إجماعا ) ولا كفارة ( إن ملأ الفم وإلا لا ) هو المختار ( وإن استقاء ) أي طلب القيء ( عامدا ) أي متذكرا لصوم ( إن كان ملء الفم فسد بالإجماع ) [ ص: 415 ] مطلقا ( وإن أقل لا ) عند الثاني وهو الصحيح ، لكن ظاهر الرواية كقول محمد إنه يفسد كما في الفتح عن الكافي ( فإن عاد بنفسه لم يفطر وإن أعاده ففيه روايتان ) أصحهما لا يفسد محيط ( وهذا ) كله ( في قيء طعام أو ماء أو مرة ) أو دم ( فإن كان بلغما فغير مفسد ) مطلقا خلافا للثاني واستحسنه الكمال وغيره .

التالي السابق


( قوله : وإن ذرعه القيء ) أي غلبه وسبقه قاموس والمسألة تتفرع إلى أربع وعشرين صورة ; لأنه إما أن يقيء أو يستقئ وفي كل إما أن يملأ الفم أو دونه ، وكل من الأربعة إما إن خرج أو عاد أو أعاده وكل إما ذاكر لصومه أو لا ولا فطر في الكل على الأصح إلا في الإعادة والاستقاء بشرط الملء مع التذكر شرح الملتقى ( قوله : ولو هو ملء الفم ) أتى بلو مع أن ما دون ملء الفم مفهوم بالأولى لأجل التنصيص عليه ; لأن المعطوف عليه في حكم المذكور فافهم وأطلق لو ملء الفم فشمل ما لو كان متفرقا في موضع واحد بحيث لو جمع ملء الفم كما في السراج .

( قوله : لا يفسد ) أي عند محمد وهو الصحيح لعدم وجود الصنع ولعدم وجود صورة الفطر ، وهو الابتلاع وكذا معناه ; لأنه لا يتغذى به بل النفس تعافه بحر ( قوله : وإن أعاده ) أي أعاد ما قاءه الذي هو ملء الفم ( قوله : أو قدر حمصة منه فأكثر ) أشار إلى أنه لا فرق بين إعادة كله أو بعضه إذا كان أصله ملء الفم قالالحدادي في السراج مبنى الخلاف أن أبا يوسف يعتبر ملء الفم ومحمدا يعتبر الصنع ثم ملء الفم له حكم الخارج وما دونه ليس بخارج ; لأنه يمكن ضبطه .

وفائدته تظهر في أربع مسائل : إحداها إذا كان أقل من ملء الفم وعاد أو شيء منه قدر الحمصة لم يفطر إجماعا أما عند أبي يوسف فإنه ليس بخارج ; لأنه أقل من الملء ، وعند محمد لا صنع له في الإدخال والثانية : إن كان ملء الفم وأعاده أو شيئا منه قدر الحمصة فصاعدا أفطر إجماعا ; لأنه خارج أدخله جوفه ولوجود الصنع ، والثالثة : إذا كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر عند محمد للصنع لا عند أبي يوسف لعدم الملء ، والرابعة : إذا كان ملء الفم وعاد بنفسه أو شيء منه كالحمصة فصاعدا أفطر إجماعا ; لأنه خارج أدخله جوفه ولوجود الصنع والثالثة إذ كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر عند محمد للصنع لا عند أبي يوسف لعدم ملء .

والرابعة : إذا كان ملء الفم وعاد بنفسه أو شيء منه كالحمصة فصاعدا أفطر عند أبي يوسف لوجود الملء لا عند محمد لعدم الصنع وهو الصحيح ا هـ فمسألتنا الإعادة وهما الثانية والثالثة أو لا هما إجماعية وهي التي ذكرها المصنف بقوله : وإن أعاده إلخ والأخرى خلافية وهي التي ذكرها المصنف بقوله وإلا لا ولا فرق فيهما بين إعادة الكل أو البعض فافهم ( قوله : إن ملأ الفم ) قيد لإفطاره إجماعا بالإعادة لكله أو لقدر حمصة منه ( قوله : وإلا لا ) أي وإن لم يملأ القيء الفم وأعاده كله أو بعضه لا يفسد صومه عند أبي يوسف ، ولا ينافي ما قدمه من أنه لو أعاد قدر حمصة منه أفطر إجماعا ; لأن ذاك فيما إذا كان القيء ملء الفم ; لأنه صار في حكم الخارج ; لأن الفم لا ينضبط عليه ، وما كان في حكم الخارج لا فرق بين إعادة كله أو بعضه بصنعه بخلاف ما دونه ; لأنه في حكم الداخل ، فلا يفسد إلا إذا أعاده ولو قدر الحمصة منه بصنعه وبه علم أن كلام الشارح صواب لا خطأ فيه بوجه من الوجوه فافهم .

( قوله : هو المختار ) وفي الخانية : هو الصحيح وصححه كثير من العلماء رملي ( قوله : أي متذكرا لصومه ) أشار به إلى الرد على صاحب غاية البيان حيث قال : إن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد ; لأنه لا يكون إلا مع العمد . وحاصل الرد أن المراد بالعمد تذكر الصوم لا تعمد القيء فهو مخرج لما إذا فعل ذلك ناسيا فإنه لا يفطر أفاده في البحر ط . وحاصله أن ذكر العمد لبيان تعمد الفطر بكونه ذاكرا لصومه والاستقاء لا يفيد ذلك بل يفيد تعمد القيء [ ص: 415 ] قوله : مطلقا ) أي سواء عاد أو أعاده أو لا ولا ح .

قال في الفتح : ولا يتأتى فيه تفرع العود والإعادة ; لأنه أفطر بمجرد القيء قبلهما ( قوله : وإن أقل لا ) أي إن لم يعد ولم يعده بدليل قوله فإن عاد بنفسه إلخ ح ( قوله : وهو الصحيح ) قال في الفتح صححه في شرح الكنز أي الزيلعي وهو قول أبي يوسف ( قوله : لم يفطر ) أي عند أبي يوسف لعدم الخروج ، فلا يتحقق الدخول فتح أي ; لأن ما دون ملء الفم ليس في حكم الخارج كما مر ( قوله : ففيه روايتان ) أي وعن أبي يوسف وعند محمد لا يتأتى التفريع لما مر .

[ تنبيه ] لو استقاء مرارا في مجلس ملء فمه أفطر لا إن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية كذا في الخزانة ; وتقدم في الطهارة أن محمدا يعتبر اتحاد السبب لا المجلس لكن لا يتأتى هذا على قوله هنا خلافا لما في البحر ; لأنه يفطر عنده بما دون ملء الفم فما في الخزانة على قول أبي يوسف أفاده في النهر ( قوله : وهذا كله ) أي التفصيل المتقدم ط ( قوله : أو مرة ) بالكسر والتشديد وهي الصفراء أحد الطبائع كما مر في الطهارة ( قوله : أو دم ) الظاهر أن المراد به الجامد ، وإلا فما الفرق بينه وبين الخارج من الأسنان إذا بلعه حيث يفطر لو غلب على البزاق أو ساواه أو وجد طعمه كما مر أول الباب ( قوله : فإن كان بلغما ) أي صاعدا من الجوف ، أما إذا كان نازلا من الرأس ، فلا خلاف في عدم إفساده الصوم كما لا خلاف في عدم نقضه الطهارة كذا في الشرنبلالية ومقتضى إطلاقه أنه لا ينقض سواء كان ملء الفم أو دونه ; وسواء عاد أو أعاده أو لا ولا والله أعلم بصحة هذا الإطلاق وبصحة قياسه على الطهارة فليراجع ح ( قوله : مطلقا ) أي سواء قاء واستقاء وسواء كان ملء الفم أو دونه وسواء عاد أو أعاده أو لا ولا وفي هذا الإطلاق أيضا تأمل ح ( قوله : خلافا للثاني ) فإنه قال إن استقاء ملء الفم فسد ح ( قوله : واستحسنه الكمال ) حيث قال وقول أبي يوسف هنا أحسن ، وقولهما بعدم النقض به أحسن ; لأن الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقيء عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة ، فلا فرق بين البلغم وغيره ، بخلاف نقض الطهارة ا هـ وأقره في البحر والنهر والشرنبلالية وهو مراد الشارح بقوله : وغيره فإنهم لما أقروه فقد استحسنوه ، وقول ابن الهمام ; لأن الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقيء عمدا إلخ يؤيد النظر الذي قدمناه في إطلاق الشرنبلالية وإطلاق الشارح فليتأمل بعد الإحاطة بتعليل الهداية ح .




الخدمات العلمية