الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والخلوة بلا مرض أحدهما وحيض ونفاس وإحرام وصوم فرض كالوطء ) بيان للسبب الثالث المكمل للمهر وهي الخلوة الصحيحة ; لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع وذلك وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع ، وقد حكى الطحاوي إجماع الصحابة عليه ويدل عليه حديث الدارقطني { من كشف خمار امرأة أو نظر إليها وجب الصداق دخل أو لم يدخل } وحينئذ فالمراد بالمس في قوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الخلوة إطلاقا لاسم المسبب على السبب إذ المس مسبب عن الخلوة عادة ويكون كماله بالجماع بحضرة الناس بالإجماع لا بالآية ومن فروع لزوم المهر بالخلوة لو زنى بامرأة فتزوجها وهو على بطنها فعليه مهران مهر الزنا ; لأنه سقط الحد بالتزوج قبل تمام الزنا والمهر المسمى بالنكاح ; لأن هذا يزيد على الخلوة

                                                                                        وقد شرط المصنف في إقامتها مقام الوطء شروطا ترجع إلى أربعة أشياء الخلوة الحقيقية وعدم مانع حسي وعدم مانع طبعي وعدم مانع شرعي من الوطء فالأول للاحتراز عما إذا كان هناك [ ص: 163 ] ثالث فليست بخلوة سواء كان ذلك الثالث بصيرا أو أعمى أو يقظانا أو نائما بالغا أو صبيا يعقل وفصل في المبتغى في الأعمى فإن لم يقف على حاله تصح وإن كان أصم إن كان نهارا لا تصح وإن كان ليلا تصح ا هـ .

                                                                                        وشمل الثالث زوجته الأخرى وهو المذهب بناء على كراهة وطئها بحضرة ضرتها واختلف في الجارية على أقوال قيل لا تمنع مطلقا ولو كانت جارية لغيرهما ، وقيل جاريتها تمنع بخلاف جاريته والمختار أن جاريتها لا تمنع كجاريته كما في الخلاصة وعليه الفتوى كما في المبتغى

                                                                                        وجزم الإمام السرخسي في المبسوط بأن كلا منهما يمنع وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه ; لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا ا هـ .

                                                                                        وشمل الثالث الكلب إن كان عقورا مطلقا وإن لم يكن عقورا فكذلك إن كان لها وإن كان له صحت الخلوة وخرج من الثالث الصبي الذي لا يعقل والمجنون والمغمى عليه والمراد بالذي يعقل هنا ما يمكنه أن يعبر ما يكون بينهما كافي الخانية وللاحتراز عن مكان لا يصلح للخلوة والصالح لها أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما كالدار والبيت ولو لم يكن له سقف ، وكذا الخيمة في المفازة والمحل الذي عليه قبة مضروبة

                                                                                        وكذا البستان الذي له باب وأغلق فلا تصح في المسجد والطريق الأعظم والحمام وسطح الدار من غير ساتر والبستان الذي ليس له باب وإن لم يكن هناك أحد واختلف في البيت إذا كان بابه مفتوحا أو طوابقه بحيث لو نظر إنسان رآهما ففي مجموع النوازل إن كان لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن فهي خلوة واختار في الذخيرة أنه مانع وهو الظاهر ويصح أن تكون هذه الفروع داخلة في المانع الحسي ; لأن وجود ثالث وعدم صلاحية المكان مانع حسي كما في الأسرار ، وأشار بالمرض إلى المانع الحسي وعممه بعدم الفرق بين مرضه ومرضها وأطلقه فأفاد أن مطلق المرض مانع وهو كذلك في مرضه ، وأما في مرضها فلا بد أن يكون مرضا يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر وهو الصحيح ; لأن مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور عادة ومن المانع الحسي الرتق والقرن والعفل والشعر داخل الفرج المانع من جماعها والقرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو لحم أو عظم وامرأة رتقاء بها ذلك كذا في المغرب وامرأة رتقاء بينة الرتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال وضبط القرن في شرح المجمع بسكون الراء والرتق بفتح التاء والعفل شيء مدور يخرج بالفرج ومنه صغرها بحيث لا تطيق الجماع وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه وقدر بالبلوغ ، وقيل بالتسع ، والأولى عدم التقدير كما قدمناه فلو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب فالقاضي يريها النساء ولم يعتبر السن كذا في الخلاصة وفي خلوة الصغير الذي لا يقدر على الجماع قولان وجزم قاضي خان بعدم الصحة فكان هو المعتمد

                                                                                        ولذا قيد في الذخيرة بالمراهق وسيأتي الكلام على الخصي ونحوه ، وأشار بالحيض والنفاس إلى المانع الطبعي وهو شرعي أيضا ولا يخفى أنه عند عدم درور الدم ليس مانعا طبعا مع أنه مانع شرعا ; لأن الطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس . والظاهر أنه لا يوجد لنا مانع طبعي إلا وهو شرعي فلو اكتفوا بالمانع الشرعي عنه لكان أولى

                                                                                        وأشار بالإحرام والصوم إلى المانع الشرعي أما الإحرام فأطلقه فشمل الإحرام بحج فرض أو نفل أو بعمرة وعلله في الهداية وغيرها بأنه يلزم من الوطء معه الدم وفساد النسك والقضاء فظاهره أنه لو خلا بها بعد الوقوف بعرفة فإنها صحيحة للأمن من الفساد مع أن الجواب مطلق وهو الظاهر للحرمة شرعا ، وأما الصوم فقيده المصنف بصوم الفرض للاحتراز عن صوم التطوع ; لأنه لا يمنع صحة الخلوة وإن كان واجبا بالشروع ; لأن وجوبه لضرورة صيانة المؤدي فلا يظهر في حق غيره مع أن الإفطار فيه بغير عذر جائز في رواية وشمل صوم الفرض قضاء رمضان والكفارات والمنذور فإنها تمنع صحة [ ص: 164 ] الخلوة وهو قول البعض والصحيح أنه لا يمنع صحتها ; لأنها لا كفارة في إفسادها فلو قال المصنف وصوم رمضان أي أداء كما في المجمع لكان أولى ; لأنه الصحيح أو قال والصوم اختيارا لقول البعض لأمكن ; لأنه لا فرق عند البعض بين صوم التطوع والفرض في أنه يمنع صحتها كالإحرام فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال وينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا يمنع صحة الخلوة اتفاقا ; لأنه يحرم إفساده وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي ،

                                                                                        وأما الصلاة ، فقالوا فرضها كفرض الصوم ونفلها كنفله كذا في الهداية وعلله في غاية البيان بأنه لا يأثم بترك النافلة وهو الصحيح فلا يكون مانعا بخلاف صلاة الفرض فإنه يأثم بتركها ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; لأنه ليس الكلام في الترك ، وإنما هو في الإفساد ولا شك أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا مع أنهم قالوا إن الصلاة الواجبة كالنفل لا تمنع صحة الخلوة كما في شرح النقاية مع أنه يأثم بتركها وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع صحتها إلا الأربع قبل الظهر فإنها تمنع صحة الخلوة ; لأنها سنة مؤكدة فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا هـ .

                                                                                        فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن المؤكدة ويقتضي أن الواجبة تمنع صحتها بالأولى ومن المانع الشرعي أن يكون طلاقها معلقا بخلوتها فلو قال لها إن خلوت بك فأنت طالق فخلا بها طلقت فيجب نصف المهر لحرمة وطئها كذا في الواقعات

                                                                                        زاد في البزازية والخلاصة بأنه لا تجب العدة في هذا الطلاق ; لأنه لا يتمكن من الوطء وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة في هذه الصورة احتياطا وصورها في المبتغى [ ص: 165 ] بالمعجمة بأن قال إن تزوجت فلانة فخلوت بها فهي طالق فتزوجها وخلا بها كان لها نصف المسمى ومن المانع الشرعي أن لا يعرفها حين دخلت عليه أو حين دخل عليها على الأصح ; لأنها إنما تقام مقام الوطء إذا تحقق بالخلوة التسليم والتمكين وذا لا يحصل إلا بالمعرفة كذا في المحيط ويصدق في أنه لم يعرفها كذا في الخانية ولو عرفها هو ولم تعرفه هي تصح الخلوة كذا في التبيين

                                                                                        ولعل الفرق أنه متمكن من وطئها إذا عرفها ولم تعرفه بخلاف عكسه فإنه يحرم عليه وطؤها وفي الخانية الكافر إذا خلى بامرأته بعدما أسلمت صحت الخلوة ولو أسلم الكافر وامرأته مشركة فخلا بها لا تصح الخلوة ا هـ .

                                                                                        ولعل الفرق مبني على أن الكافر غير مخاطب بالفروع فكان متمكنا من وطء المسلمة بخلاف وطء المسلم المشركة وفي الخلاصة ولو دخلت عليه وهو نائم صحت علم أو لم يعلم ا هـ .

                                                                                        وهو مشكل ; لأنه لم يتمكن مع النوم من وطئها كما إذا لم يعرفها لكن أقاموه مقام اليقظان هنا وينبغي أن يكون من المانع الشرعي كونه مظاهرا منها فلو ظاهر منها ثم خلا بها قبل التكفير لم تصح لحرمة وطئها عليه ويدل عليه أن الإمام الدبوسي في الأسرار فسر المانع الشرعي بما يحرم عليه معه جماعها وأطلق في إقامتها مقام الوطء في الأحكام فأفاد أنه يكمل لها المسمى وإن قالت لم يطأني كما في الخانية ولو لم تمكنه من الوطء في الخلوة ففيه اختلاف المتأخرين كذا في الذخيرة وقياس وجوب النفقة أن تصح الخلوة كما لا يخفى واختار الطرسوسي تفقها من عنده أنها إن كانت بكرا صحت الخلوة ; لأنها لا توطأ إلا كرها وإن كانت ثيبا لم تصح لعدم تسليم البضع اختيارا وكانت راضية بإسقاط حقها بخلاف البكر فإنها تستحي وأفاد أنها كالوطء في الأحكام لكن هي كالوطء في أحكام دون أحكام فأقاموها مقامه في حق كمال المهر وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في هذه العدة وحرمة نكاح أختها وأربع سواها وحرمة نكاح الأمة في قياس قول أبي حنيفة ومراعاة وقت الطلاق في حقها ، كذا ذكروا

                                                                                        وينبغي أن لا يذكر ثبوت النسب من أحكام الخلوة القائمة مقام الوطء ; لأنها من أحكام العقد وإن لم توجد خلوة أصلا كما صرح به في المبسوط ، وكذا النفقة والسكنى وحرمة نكاح الأخت ونحوها فإنها من أحكام العدة فذكرها يغني عنها هذا ما فهمته ثم بعد مدة رأيت في جامع الفصولين نقلا عن أدب القاضي للخصاف أنها قائمة مقام الوطء في حق تكميل المهر ووجوب العدة ولم تقم مقامه في بقية الأحكام ا هـ .

                                                                                        وهذا هو التحقيق ولم يقيموها مقامه في حق الإحصان إن تصادقا على عدم الدخول وإن أقرا به لزمهما حكم الإحصان وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط وفي حرمة البنات وحلها للأول [ ص: 166 ] والميراث حتى لو أبانها ثم مات في عدتها لم ترثه كما في المجتبى وفي الرجعة فلا يصير مراجعا بالخلوة ولا رجعة له بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة

                                                                                        وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأقرب إلى الصواب الوقوع ; لأن الأحكام لما اختلفت يجب القول بالوقوع كذا في الذخيرة وجعلها في المجتبى كالوطء في حق التزويج فإنها تزوج كما تزوج الثيب وهو ضعيف لما قدمنا من أنها تزوج بعدها كالأبكار إذا قالت لم يدخل بي وفي غاية البيان إذا خلا بها في النكاح الموقوف تكون إجازة ; لأن الخلوة بالأجنبية حرام وقال بعضهم نفس الخلوة لا تكون إجازة ا هـ .

                                                                                        وزاد في المجتبى في عدم كونها كالوطء في منعها نفسها للمهر ولا ينبغي إدخاله هنا ; لأنه لو وطئها حقيقة فلها منعه بعده عند أبي حنيفة نعم يتأتى على قولهما كما لا يخفى وفي المجتبى الموت أقيم مقام الدخول في حكم العدة والمهر وفيما سواهما كالعدم وفي شرح الناصحي فإن ماتت الأم قبل أن يدخل بها فابنتها له حلال ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولو مجبوبا أو عنينا أو خصيا ) أي الخلوة بلا الموانع المذكورة كالوطء ولو كان الزوج مجبوبا أو نحوه فلها كمال المهر بعد الطلاق والخلوة عند أبي حنيفة وقالا كذلك في الخصي والعنين وفي المجبوب عليه النصف ; لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين ; لأن الحكم أدبر على سلامة الآلة ولأبي حنيفة أن المستحق عليها التسليم في حق السحق ، وقد أتت به .

                                                                                        والحاصل أن الخلوة الصحيحة عنده هي التمكين من الوطء بأقصى ما في وسعها فإن قلت : يلزم على هذا أن توجب الخلوة بالرتقاء كمال المهر إذ ليس هنا تسليم غيره قلنا إن الرتق قد يزول فكان هذا التسليم منتظرا غيره فلم يجب كمال المهر لعدم التسليم كاملا كذا في غاية البيان والجب القطع ومنه المجبوب الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه ، وقد جب جبا وخصاه نزع خصيتيه يخصيه خصاء على فعال والإخصاء في معناه خطأ ، وأما الخصي على فعل فقياس وإن لم نسمعه والمفعول خصي على فعيل والجمع خصيان كذا في المغرب وفي الغاية الظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في المجبوب ، ولذا اقتصر الإسبيجابي على قطع الذكر .

                                                                                        وأشار المصنف إلى صحة خلوة الخنثى بالأولى وإلى أن نسب الولد يثبت من المجبوب وهو بالإجماع كذا في البدائع ، وذكر التمرتاشي إن علم أنه ينزل يثبت وإن علم خلافه فلا وعليها العدة والأولى أحسن وعلم القاضي أنه ينزل أولا ربما يتعذر أو يتعسر كذا في فتح القدير .

                                                                                        [ ص: 163 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 163 ] ( قوله وشمل الثالث ) أي الواقع في قوله للاحتراز عما إذا كان هناك ثالث . ( قوله وللاحتراز عن مكان لا يصلح للخلوة ) عطف على قوله للاحتراز عما إذا كان هناك ثالث ( قوله ; لأن مرضه لا يعري عن تكسر وفتور عادة ) فيه كلام وهو أن المرض لا يلزم فيه ذلك خصوصا في ابتدائه قبل استحكام الضعف ثم إن كان المراد مرضا فيه تكسر وفتور مانع من الوطء ساوى مرض المرأة وإلا فهو غير مانع إذ لا فرق حينئذ بينه وبين الصحيح إلا أن يجاب بأن المراد أن مرضه في العادة مانع فلا يفيد تقييده بالمنع بخلاف مرضها . ( قوله وضبط القرن إلخ ) قال الرملي قال شيخ الإسلام زكريا في شرح الروض القرن بفتح رائه أرجح من إسكانها وسيأتي زيادة كلام في ذلك في باب العنين .

                                                                                        ( قوله فظاهره أنه لو خلا بها بعد الوقوف بعرفة ) أي أو بعد طواف أكثر العمرة وفي النهر يمكن أن يقال المنظور إليه إنما هو لزوم الدم ولا شك أن البدنة فوقه ، وأما لزوم الفساد فمؤكد للمانع فقط [ ص: 164 ] ( قوله أو قال والصوم ) قال الرملي لا يناسب هذا قوله لكان أولى إذ هذا الاختيار ليس للصحيح فلو قاله لم يخل من هذا النقد المتقدم ولو أريد مجرد الجواب لكفى موافقته لقول البعض إن مطلق الفرض يمنع ، وقد قدمه والعجب منه أنه قدمه قريبا وقال تلوه فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال تأمل ا هـ .

                                                                                        والجواب عنه أن قوله وشمل صوم الفرض إلى قوله وهو قول البعض ليس نصا في أن هذا البعض لا يقول إن النفل كذلك بل هو أحد الأقوال الثلاثة التي حكاها في النهر عن الخانية وهو أن النفل يمنع ويدل على أن مراده ذلك آخر كلامه . والظاهر أنه لم ير القول الثاني وهو أن الفرض يمنع دون التطوع وإلا لحمل المتن عليه

                                                                                        ( قوله فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال ) قال في النهر أقول : عبارة قاضي خان في الفتاوى تفيد أن ثمة خلافا في الفرض وآخر في التطوع وذلك أنه قال إن الخلوة في صوم الفرض أو صلاة الفرض لا تصح وفي صوم القضاء والكفارات والمنذورات روايتان والأصح أنه لا يمنع الخلوة وصوم التطوع لا يمنع الخلوة في ظاهر الرواية ، وقيل يمنع ا هـ .

                                                                                        وفي شروح الهداية أن رواية المنع في التطوع شاذة وعلى هذا فالتقييد بالفرض صحيح غاية الأمر أنه اختار المرجوح .

                                                                                        ( قوله وينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا يمنع ) وقوله بعده فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا قال في النهر لا شك أن الحرمة في الأداء أقوى منها في غيره لما اشتملت عليه من إفساد الصوم وهتك حرمة الشهر ، ولذا غلظ عليه بالكفارة مع القضاء ولا بد من التزام هذا في الصلاة وإلا أشكل ا هـ .

                                                                                        وانظر ما مرجع الإشارة في قوله ولا بد من التزام هذا في الصلاة فإنه يحتمل أن يكون مرجعها هو قول المؤلف فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا فيكون قد أقره على البحث الثاني دون الأول وعليه فقوله وإلا أشكل أي وإلا نقل كذلك أشكل الأمر بما ذكره المؤلف من أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام مطلقا ويحتمل أن يكون مرجعها قوله لا شك أن الحرمة في الأداء أقوى إلخ وحينئذ فمفاده تخصيص المنع بالفرض المؤدى دون المقضي ويوافقه قولهم فرضها كفرض الصوم ونفلها كنفله لكن ما علل به للصوم لا يظهر في الصلاة إذ الحرمة في إفساد أدائها وقضائها سواء وأيضا ما ذكره المؤلف عن غاية البيان ظاهر في عدم الفرق بين أدائها وقضائها إلا أن يدعى الفرق بأن إفساد الأداء الحرمة فيه أقوى لاحتمال التفويت عن الوقت بخلاف إفساد القضاء فليتأمل .

                                                                                        ( قوله وفيه نظر إلخ ) قد يجاب بأن مراده بيان التفاوت بين الفرض والنفل بأن صلاة الفرض لما كان يأثم بتركها كانت مانعة لصحة الخلوة ; لأن صحتها تتوقف على قطع الصلاة وقطعها حرام أعظم من حرمة قطع النفل والقطع قد يكون سببا للترك . ( قوله وأغرب منه ما في المحيط إلخ ) ظاهر كلام صاحب المختار أن هذا مبني على رواية أخرى فإنه قال : وقيل في صوم التطوع روايتان ، وكذلك السنن إلا ركعتي الفجر والأربع قبل الظهر لشدة تأكدهما بالوعيد على تركهما ا هـ .

                                                                                        ( قوله فتجب العدة في هذه الصورة احتياطا ) قال الرملي كيف القطع بوجوبها مع مصادمته للنقل على أن هذه مطلقة قبل الدخول فهي أجنبية والخلوة بالأجنبية لا توجب العدة فليست من قسم الخلوة الصحيحة ولا الفاسدة فتأمل وانظر إلى قولهم إنما تقام مقام الوطء إذا تحقق التسليم ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى ما فيه إذ مصادمته للنقل بالنقل لا بالعقل لما سيجيء من أن المذهب [ ص: 165 ] وجوب العدة مطلقا ولو المانع شرعيا ، وقوله إنها أجنبية ممنوعة ; لأنها لم تطلق إلا بثبوت الخلوة فلم تصر أجنبية إلا بعد الطلاق ; لأن الطلاق يقع بعد وجود الشرط كما في قوله لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق .

                                                                                        ( قوله ولعل الفرق أنه متمكن من وطئها إلخ ) قيل فيه إنه إذا لم تعرفه يحرم عليها تمكينه منها . والظاهر أنها تمنعه من وطئها بناء على ذلك فينبغي أن يكون مانعا فتأمل ا هـ .

                                                                                        وأجيب بأن هذا المانع بيده إزالته بأن يخبرها أنه زوجها فلما جاء التقصير من جهته يحكم بصحة الخلوة فيلزم المهر ا هـ .

                                                                                        هذا وفي حواشي مسكين عن الحموي معزيا إلى الملتقطات أن عدم معرفته أنه زوجها مانع كعكسه . ( قوله ولعل الفرق مبني إلخ ) فرق في النهر بغير هذا وهو أن المانع في الأول منه إذ بيده إزالته ، وفي الثاني منها قال : وهذا أولى مما في البحر . ( قوله وينبغي أن يكون من المانع الشرعي كونه مظاهرا منها ) قال في النهر أقول : الظاهر أنه ليس منه ، ولذا أغفلوه وذلك أن المانع منه وبيده إزالته بالتكفير .

                                                                                        ( قوله ; لأنها من أحكام العقد وإن لم توجد خلوة أصلا ) هذا ظاهر فيما إذا طلقها قبل الدخول وولدت لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فإنه يلزمه للتيقن بأن العلوق به كان قبل الطلاق وتبين أنه طلقها بعد الدخول أما لو جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يلزمه لعدم العدة فلو اختلى بها يكون طلاقا في العدة فيلزمه الولد وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر ففي هذه الصورة تظهر الخصوصية للخلوة كما أفاده ابن الشحنة في عقد الفوائد ( قوله هذا ما فهمته ) قد سبقه إلى هذا الفهم العلامة ابن الشحنة في عقد الفوائد وقال إن ما عدا تكميل المهر وثبوت النسب في التحقيق من فروع وجوب العدة لا من فروع نفس الخلوة وإن كان راجعا إليها ا هـ .

                                                                                        لكن ثبوت النسب في بعض الصور كما قدمناه عنه وكان عليه أن يستثنى أيضا وجوب العدة فإنه من فروع الخلوة كما ذكره المؤلف هنا .

                                                                                        ( قوله وفي حرمة البنات ) أي ولم يقيموها مقامه في ذلك والكلام في الخلوة الصحيحة كما صرح به في التبيين والفتح وغيرهما فما حرره في عقد الفوائد مما حاصله أن حرمة البنات بالخلوة الصحيحة لا خلاف فيها بين الصاحبين واختلفوا في الفاسدة قال محمد لا تحرم وحرمها الثاني ضعيف وما ادعاه من عدم الخلاف ممنوع كما أوضحه في النهر [ ص: 166 ] ( قوله : وأما في حق وقوع طلاق آخر إلخ ) ظاهره أنها قائمة مقامه على ما هو المختار من الوقوع مع أنه من فروع وجوب العدة كما في النهر قال : وهذا مما غفل عنه في عقد الفوائد والبحر . ( قوله كذا في الذخيرة ) أقول : تمام عبارة الذخيرة ثم هذا الطلاق يكون رجعيا أو بائنا ذكر شيخ الإسلام أنه يكون بائنا .

                                                                                        ( قوله : وأشار إلى صحة خلوة الخنثى بالأولى ) قال في النهر يجب أن يراد به من ظهر حاله أما المشكل فنكاحه موقوف إلى أن يتبين حاله ولهذا لا يزوجه وليه من يختنه ; لأن النكاح الموقوف لا يفيد إباحة النظر كذا في النهاية وأفاد في المبسوط أن يتبين بالبلوغ فإن ظهرت فيه علامة الرجال ، وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة نكاحه من حين عقد الأب فإن لم يصل أجل كالعنين وإن تزوج رجلا [ ص: 167 ] تبين بطلانه ، وهذا صريح في عدم صحة خلوته قبل ذلك وبهذا التقرير علمت أن ما نقله في الأشباه عن الأصل لو زوجه أبوه رجلا فوصل إليه وإلا فلا علم لي بذلك أو امرأة فبلغ فوصل إليها جاز وإلا أجل كالعنين ليس على ظاهره .




                                                                                        الخدمات العلمية