الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم

                                                                                                          908 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يحرم ولم يترك شيئا من الثياب قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قلد الرجل الهدي وهو يريد الحج لم يحرم عليه شيء من الثياب والطيب حتى يحرم وقال بعض أهل العلم إذا قلد الرجل هديه فقد وجب عليه ما وجب على المحرم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم ) أي من غير أن يتلبس بالإحرام . والهدي ما يهدى إلى الكعبة من النعم لتنحر به ، وتقليدها أن يحصل في رقابها شيء كالقلادة من لحاء الشجرة أو الصوف ونحو ذلك ليعلم أنها هدي .

                                                                                                          قوله : ( فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) قلائد جمع قلادة وهي ما تعلق بالعنق ( ثم لم يحرم ) أي لم يصر محرما ( ولم يترك شيئا من الثياب ) أي التي أحلها الله له ، وفي رواية للبخاري من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال : من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه ، قالت عمرة : فقالت عائشة : ليس كما قال ابن عباس ، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء أحله الله حتى نحر الهدي ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قلد الرجل الهدي وهو يريد الحج إلخ ) قال النووي : من بعث هديه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة ، انتهى .

                                                                                                          ( وقال بعض أهل العلم : إذا قلد الرجل الهدي فقد وجب عليه ما وجب على المحرم ) وبه قال ابن عباس ، وقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر ، رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب ، وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع : أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي . ومنهم قيس بن سعد بن عبادة ، أخرج سعيد بن منصور عن طريق [ ص: 559 ] سعيد بن المسيب نحو ذلك ، وروى ابن أبي شيبة عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنة : أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا منقطع .

                                                                                                          قال ابن المنذر : قال عمر وعلي وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون : من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم . وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون : لا يصير بذلك محرما وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار واحتج من قال بأنه يجب عليه ما يجب على المحرم بما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال : " إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا ، فلبست قميصي ونسيت ، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي " الحديث . وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده كذا في فتح الباري . والمذهب القوي هو أن باعث الهدي لا يصير محرما لثبوته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد صحيحة ، وما ذهب إليه ابن عباس وغيره لم يثبت عنه بسند صحيح ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية