الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
227 - ( 5 ) - حديث : { افعلوا كل شيء إلا الجماع }قاله في تفسير قوله تعالى: { فاعتزلوا النساء في المحيض }هو مختصر من حديث طويل رواه مسلم من حديث أنس وفيه قصة ، وقيل : إن السائل عن ذلك هو أبو الدحداح . قاله الواقدي ، والصواب ما في الصحيح : أن السائل عن ذلك : أسيد بن الحضير ، [ ص: 291 ] وعباد بن بشر ، ولفظ مسلم : { اصنعوا كل شيء إلا النكاح }.

228 - ( 6 ) - قوله : { يستحب للواطئ في الحيض التصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم ، وبنصفه إن جامع في إدباره }; لورود الخبر بذلك ، ثم قال بعد ذلك : روي عن ابن عباس فذكر نحو ذلك ، وفي رواية : { إذا وطئها في إقبال الدم فدينار ، وإن وطئها في إدبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار }وفي رواية : { إذا وقع بأهله وهي حائض ، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار }وفي رواية : { من أتى حائضا فليتصدق بدينار أو بنصف دينار }أما الرواية الأولى : فرواها البيهقي من حديث ابن جريج ، عن أبي أمية ، عن مقسم ، عن ابن عباس مرفوعا : { إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار ; وإذا أتاها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار }ورواها من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس موقوفا .

وأما الثانية : فرواها البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن عبد الكريم أبي أمية مرفوعا ، وجعل التفسير من قول مقسم ، فقال : فسر ذلك مقسم : { إن غشيها في الدم فدينار ، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار }. وأما الثالثة : فرواها الترمذي والبيهقي أيضا من هذا الوجه بلفظ : { إذا كان دما أحمر فدينار ، وإن كان دما أصفر فنصف دينار }ورواها الطبراني من طريق سفيان الثوري ، عن خصيف وعلي بن بذيمة . وعبد الكريم ، [ ص: 292 ] عن مقسم بلفظ { : من أتى امرأته وهي حائض فعليه دينار ، ومن أتاها في الصفرة فنصف دينار }ورواها الدارقطني من هذا الوجه فقال في الأول : في الدم . ورواه أبو يعلى ، والدارمي من طريق أبي جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بسنده ، في { رجل جامع امرأته وهي حائض فقال : إن كان دما عبيطا فليتصدق بدينار }الحديث . وأما الرابعة : فرواها ابن الجارود في المنتقى من طريق عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس { فليتصدق بدينار أو نصف دينار }ورواه أيضا أحمد وأصحاب السنن والدارقطني ، وله طرق في السنن غير هذه ، لكن شك شعبة في رفعه ، عن الحكم ، عن عبد الحميد .

( تنبيه ) قول الشافعي : جاء في رواية : { فليتصدق بدينار ونصف دينار }فيه تحريف ، وهو حذف الألف ، والصواب : { أو نصف دينار }كما تقدم ، وأما الروايات المتقدمة كلها فمدارها على عبد الكريم أبي أمية ، وهو مجمع على تركه ، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف ، ومن جهة علي بن بذيمة ، وفيهما مقال ، وأعلت الطرق كلها بالاضطراب ، وأما الأخيرة وهي رواية عبد الحميد فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح ; إلا مقسم فانفرد به البخاري ، لكنه ما أخرج له إلا حديثا واحدا في تفسير النساء قد توبع عليه ، وقد صححه الحاكم ، وابن القطان ، وابن دقيق العيد ، [ ص: 293 ] وقال الخلال عن أبي داود ، عن أحمد : ما أحسن حديث عبد الحميد . فقيل له : تذهب إليه ؟ قال : نعم وقال أبو داود : هي الرواية الصحيحة وربما لم يرفعه شعبة . وقال قاسم بن أصبغ : رفعه غندر . ثم إن هذا من جملة الأحاديث التي ثبت فيها سماع الحكم من مقسم ، وأما تضعيف ابن حزم لمقسم ، فقد نوزع فيه ، وقال فيه أبو حاتم : صالح الحديث . وقال ابن أبي حاتم في العلل : سألت أبي عنه فقال : اختلف الرواة فيه ، فمنهم من يوقفه ، ومنهم من يسنده ، وأما من حديث شعبة فإن يحيى بن سعيد أسنده وحكى عن شعبة أنه قال : أسنده لي الحكم مرة ، ووقفه مرة . وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعه ، ورواه الدارقطني من حديث شعبة موقوفا . وقال شعبة : أما حفظي فمرفوع ، وأما فلان ، وفلان ، وفلان ، فقالوا : غير مرفوع . وقال البيهقي : قال الشافعي في أحكام القرآن : لو كان هذا الحديث ثابتا لأخذنا به انتهى . والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا . وقال الخطابي : قال أكثر أهل العلم : لا شيء عليه . وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس . قال : والأصح أنه متصل مرفوع ، لكن الذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها . وقال ابن عبد البر : حجة من لم يوجب الكفارة باضطراب هذا الحديث وأن الذمة على البراءة ، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه ، وذلك معدوم في هذه المسألة .

وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث ، والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه ، وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإلمام وهو الصواب ، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة ، وحديث القلتين ، ونحوهما ، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب ، والتنقيح .

والخلاصة : أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه ، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم ، وتبع النووي في بعض ذلك ابن الصلاح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية