الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2022 ) فصل : وما لا يمكن التحرز منه ، كابتلاع الريق لا يفطره ، لأن اتقاء ذلك يشق ، فأشبه غبار الطريق ، وغربلة الدقيق . فإن جمعه ثم ابتلعه قصدا لم يفطره ; لأنه يصل إلى جوفه من معدته ، أشبه ما إذا لم يجمعه . وفيه وجه آخر ، أنه يفطره ; لأنه أمكنه التحرز منه ، أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق . والأول أصح ; فإن الريق لا [ ص: 17 ] يفطر إذا لم يجمعه ، وإن قصد ابتلاعه ، فكذلك إذا جمعه ، بخلاف غبار الطريق ، فإن خرج ريقه إلى ثوبه ، أو بين أصابعه ، أو بين شفتيه ، ثم عاد فابتلعه ، أو بلع ريق غيره ، أفطر ; لأنه ابتلعه من غير فمه ، فأشبه ما لو بلع غيره . فإن قيل : فقد روت عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يقبلها وهو صائم ، ويمص لسانها . } رواه أبو داود . قلنا : قد روي عن أبي داود أنه قال : هذا إسناد ليس بصحيح .

                                                                                                                                            ويجوز أن يكون يقبل في الصوم ، ويمص لسانها في غيره . ويجوز أن يمصه ، ثم لا يبتلعه ، ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل إلى فمه ، فأشبه ما لو ترك حصاة مبلولة في فيه ، أو لو تمضمض بماء ثم مجه . ولو ترك في فمه حصاة أو درهما ، فأخرجه وعليه بلة من الريق ، ثم أعاده في فيه ، نظرت ; فإن كان ما عليه من الريق كثيرا فابتلعه أفطر ، وإن كان يسيرا لم يفطر بابتلاع ريقه . وقال بعض أصحابنا : يفطر لابتلاعه ذلك البلل الذي كان على الجسم . ولنا أنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ، ودخوله إلى حلقه ، فلا يفطره ، كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب والمبلول . ويقوي ذلك حديث عائشة في مص لسانها . ولو أخرج لسانه وعليه بلة ، ثم عاد فأدخله وابتلع ريقه ، لم يفطر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية