الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عزل الخصيبي ووزارة علي بن عيسى

في هذه السنة ، في ذي القعدة ، عزل المقتدر أبا العباس الخصيبي عن الوزارة . وكان سبب ذلك أن الخصيبي أضاق إضاقة شديدة ، ووقفت أمور السلطان لذلك ، واضطرب أمر الخصيبي .

وكان حين ولي الوزارة قد اشتغل بالشرب كل ليلة ، وكان يصبح سكران لا قصد فيه لعمل وسماع حديث ، وكان يترك الكتب الواردة الدواوين لا يقرؤها إلا بعد مدة ، ويهمل الأجوبة عنها ، فضاعت الأموال ، وفاتت المصالح ، ثم إنه لضجره وتبرمه بها وبغيرها من الأشغال ، وكل الأمور إلى نوابه ، وأهمل الاطلاع عليها ، فباعوا مصلحته بمصلحة نفوسهم .

فلما صار الأمر إلى هذه الصورة أشار مؤنس المظفر بعزله ، وولاية علي بن عيسى ، فقبض عليه ، وكانت وزارته سنة وشهرين ، وأخذ ابنه وأصحابه فحبسوا ، وأرسل المقتدر [ ص: 706 ] بالله بالغد ( إلى دمشق يستدعي علي بن عيسى ، وكان بها . وأمر المقتدر ) أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني بالنيابة عن علي بن عيسى إلى أن يحضر ، فسار علي بن عيسى إلى بغداذ ، فقدمها أوائل سنة خمس عشرة [ وثلاثمائة ] ، واشتغل بأمور الوزارة ، ولازم النظر فيها ، فمشت الأمور ، واستقامت الأحوال .

وكان من أقوم الأسباب في ذلك أن الخصيبي ( كان قد ) اجتمع عنده رقاع المصادرين ، وكفالات من كفل منهم ، وضمانات العمال بما ضمنوا من المال بالسواد ، والأهواز ، وفارس ، والمغرب ، فنظر فيها علي ، وأرسل في طلب تلك الأموال ، فأقبلت إليه شيئا بعد شيء ، فأدى الأرزاق ، وأخرج العطاء ، وأسقط من الجند من لا يحمل السلاح ، ومن أولاد المرتزقة من هو في المهد ، فإن آباءهم أثبتوا أسماءهم ، ومن أرزاق المغنين ، والمساخرة ، والندماء ، والصفاعنة ، وغيرهم ، مثل الشيخ الهرم ، ومن ليس له سلاح ، فإنه أسقطهم ، وتولى الأعمال بنفسه ليلا ونهارا ، واستعمل العمال في الولايات ، واختار الكفاة .

وأمر المقتدر بالله بمناظرة أبي العباس الخصيبي ، فأحضره ، وأحضر الفقهاء والقضاة والكتاب وغيرهم ، وكان علي وقورا لا يسفه ، فسأله عما صح من الأموال من الخراج ، والنواحي ، والأصقاع والمصادرات والمتكلفين بها ، ومن البواقي القديمة إلى غير ذلك ، فقال : لا أعلمه .

وسأله عن الإخراجات ، والواصل إلى المخزن ، فقال : لا أعرفه ، وقال له : لم أحضرت يوسف بن أبي الساج ، وسلمت إليه أعمال المشرق ، سوى أصبهان ، وكيف تعتقد أنه يقدر هو وأصحابه ، وهم قد ألفوا البلاد الباردة الكثيرة المياه ، على سلوك البرية القفراء ، والصبر على حر بلاد الإحساء والقطيف ، ولم لم تجعل معه منفقا يخرج [ ص: 707 ] المال على الأجناد ؟ فقال : ظننت أنه يقدر على قتال القرامطة ، وامتنع من أن يكون معه منفق .

فقال له : كيف استجزت في الدين والمروءة ضرب حرم المصادرين وتسليمهن إلى أصحابك ، كامرأة ابن الفرات وغيره ، فإن كانوا فعلوا ما لا يجوز ألست أنت السبب في ذلك ؟

ثم سأله عن الحاصل له ، وعن إخراجاته ، فخلط في ذلك ، فقال له : غررت ( بنفسك ، وغررت ) بأمير المؤمنين ، ألا قلت له إنني لا أصلح للوزارة ، فقد كان الفرس ، إذا ( أرادوا أن ) يستوزروا وزيرا ، نظروا في تصرفه لنفسه ( فإن وجدوه حازما ، ضابطا ، ولوه ، وإلا قالوا : من لا يحسن يدبر نفسه ) فهو عن غير ذلك أعجز ، وتركوه ، ثم أعاده إلى محبسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية