الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين

                                                                                                                                                                                                "عبثا " : حال ، أي : عابثين ؛ كقوله : "لاعبين" [الأنبياء : 16 ] . أو مفعول له ، أي : ما خلقناكم للعبث ، ولم يدعنا إلى خلقكم إلا حكمة اقتضت ذلك ، وهي : أن نتعبكم ونكلفكم المشاق من الطاعات وترك المعاصي ، ثم نرجعكم من دار التكليف إلى دار الجزاء ، فنثيب المحسن ونعاقب المسيء ، وأنكم إلينا لا ترجعون : معطوف على : أنما خلقناكم ، ويجوز أن يكون معطوفا على : "عبثا " ، أي : للعبث ، ولترككم غير مرجوعين ، وقرئ : "ترجعون " : بفتح التاء ، "الحق " : الذي يحق له الملك ؛ لأن كل شيء منه وإليه ، أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه ، وصف العرش بالكرم ؛ لأن الرحمة تنزل منه والخير والبركة ، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين ، كما يقال : بيت كريم : إذا كان ساكنوه كراما ، وقرئ : "الكريم " : بالرفع ؛ ونحوه : ذو العرش المجيد [البروج : [ ص: 254 ] 15 ] ، لا برهان له به ؛ كقوله : ما لم ينزل به سلطانا [آل عمران : 115 ] ، وهي : صفة لازمة ؛ نحو قوله : يطير بجناحيه [الأنعام : 38 ] ، جيء بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان ، ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء ؛ كقولك : من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان منه ، فالله مثيبه ، وقرئ : أنه لا يفلح بفتح الهمزة ، ومعناه : حسابه عدم الفلاح ، والأصل : حسابه أنه لا يفلح هو ، فوضع الكافرون موضع الضمير ؛ لأن " من يدع " : في معنى الجمع ؛ وكذلك : " حسابه إنه لا يفلح " في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون .

                                                                                                                                                                                                جعل فاتحة السورة : قد أفلح المؤمنون ، وأورد في خاتمتها : إنه لا يفلح الكافرون ، فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة .

                                                                                                                                                                                                عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالروح والريحان وما تقر به عينه عند نزول ملك الموت " .

                                                                                                                                                                                                وروي : "أن أول سورة قد أفلح وآخرها من كنوز العرش ، من عمل بثلاث آيات من أولها ، واتعظ بأربع آيات من آخرها : فقد نجا وأفلح " .

                                                                                                                                                                                                وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدوي النحل ، فمكثنا ساعة ، فاستقبل القبلة ورفع يده وقال : "اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا [ ص: 255 ] وأرضنا" ثم قال : "لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن ، دخل الجنة" ثم قرأ : قد أفلح المؤمنون حتى ختم العشر .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية