الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( نوى ) بوضوئه ( تبردا ) أو أمرا يحصل من غير نية كتنظف ولو في أثناء وضوئه ( مع نية معتبرة ) إن كان مستحضرا نية الوضوء عند نية نحو التبرد ( جاز ) وأجزأه ذلك ( على الصحيح ) لأنه حاصل وإن لم ينوه كما لو نوى بصلاته الفرض والتحية للمسجد ، والثاني يضر لتشريكه بين قربة وغيرها ، ولو فقدت النية المعتبرة كأن نوى شيئا من ذلك مع غفلته عن نية الوضوء لم يعتد بما فعله في تلك الحالة وعليه إعادته دون استئناف طهارته .

                                                                                                                            وهل نية الاغتراف كنية التبرد في كونها تقطع حكم ما قبلها أو لا ، والمعتمد كما رجحه البلقيني عدم قطعها لكونها لمصلحة الطهارة ، إذ تصون ماءها عن الاستعمال لا سيما ونية الاغتراف مستلزمة تذكر نية رفع الحدث عند وجودها ، بخلاف نية نحو التنظف ، وحيث وقع تشريك بين عبادة وغيرها كما هنا فالذي رجحه ابن عبد السلام أنه لا ثواب له مطلقا ، والمعتمد كما قاله الغزالي اعتبار الباعث ، فإن كان الأغلب باعث الآخرة أثيب وإلا فلا ، ويبطل بالردة وضوء نحو مستحاضة كما يبطل بها التيمم والنية مطلقا ، بخلاف [ ص: 163 ] وضوء الرفاهية ، ولو نوى قطع وضوئه انقطعت نيته فيعيدها للباقي ، وحيث بطل وضوءه في أثنائه بحدث أو غيره أثيب على ما مضى إن بطل بغير اختياره وإلا فلا ، ويجري ذلك في الصلاة والصوم ( أو ) نوى بوضوئه ( ما يندب له وضوء كقراءة فلا ) يجوز له ذلك : أي لا يصح ( في الأصح ) لأنه يستبيحه مع الحدث فلم يتضمن قصده قصد رفع الحدث ، وحمل كتب علم شرعي وسماع حديث وفقه وغضب وقبيح كلام وحمل ميت ومسه ، [ ص: 164 ] نحو فصد واستغراق ضحك وخوف ، وكل ما قيل إنه ناقض فلا يصح الوضوء بنية شيء منها فإن أراد الوضوء لذلك أتى بنية معتبرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            والثاني يصح لأنه قصد أن يكون ذلك الفعل على أكمل أحواله ولا يتم ذلك إلا إن ارتفع حدثه ، وفهم من كلامه أن ما لا يندب له الوضوء كدخول السوق ولبس الثوب وزيارة والد وصديق لا يجزئه قطعا وهو كذلك ، ولو نوى بوضوئه الصلاة بمحل نجس بنجاسة غير معفو عنها لم يصح لتلاعبه ، ولو نوى بوضوئه القراءة إن كفت وإلا فالصلاة لم تجزه ، وفارق ما لو نوى بما أخرجه زكاة ماله الغائب إن كان سالما ، وإلا فعن الحاضر فبان تالفا حيث يجزئه عنها بأن الوضوء عبادة بدنية والزكاة مالية والأولى أضيق ، ولو انغمس بعض أعضاء من نوى الطهر بسطه في ماء أو غسلها له فضولي ونيته عازبة فيهما لم يجزه لانتفاء فعله مع النية ، وقولهم إن فعله غير مشترط محمول على ما إذا كان متذكرا للنية ، ولو ألقاه غيره في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوءه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كأن نوى شيئا من ذلك ) أي ولو في أثناء وضوئه كما مر ، وقوله دون استئناف إلخ : أي بأن كانت نية ما ذكر في أثناء وضوئه فلا يحتاج لإعادة غسل ما قبل نية ذلك ( قوله وعليه إعادته ) أي بنية جديدة لبطلان النية الأولى بنية نحو التبرد ( قوله ونية الاغتراف مستلزمة ) أي غالبا ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وعبارته وقوله مستلزمة إلخ لعله باعتبار الغالب ، وإلا فيمكن أن يقصد إخراج الماء ليتطهر به خارج الإناء من غير أن يلاحظ نيته السابقة ، ولا أنه طهر وجهه ولا أراد تطهير خصوص يده بهذا الماء الذي أخرجه ، فقد تصورت نية الاغتراف مع الغفلة عن النية انتهى .

                                                                                                                            هذا وقد يمنع أن تكون هذه نية اغتراف ، إذ حقيقتها الشرعية إخراج الماء خارج الإناء بقصد التطهير لما بقي من أعضائه كما ذكره حج في الإيعاب ، وعليه فهي مستلزمة لها دائما لا غالبا ( قوله : اعتبار الباعث ) وقال حج : الأوجه كما بينته بأدلته الواضحة في حاشية الإيضاح وغيرها إن قصد العبادة يثاب عليه بقدره وإن انضم له غيره مما عدا الرياء ونحوه مساويا أو راجحا ( قوله : وإلا فلا ) أي بأن كان الأغلب باعث الدنيا أو استويا ( قوله : نحو مستحاضة ) كسلس ( قوله : كما يبطل بها التيمم ) وإنما أبطلت الردة وضوء نحو المستحاضة والتيمم دون وضوء السليم لأن تلك طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها فلا ضرورة لبقائها مع الردة فبطلت بها ولا كذلك وضوء السليم ( قوله : مطلقا ) أي [ ص: 163 ] صاحب ضرورة أم لا ( قوله : وضوء الرفاهية ) هو وضوء السليم ( قوله : ولو نوى قطع وضوئه انقطعت نيته ) وهل من قطعها ما لو عزم على الحدث ولم يوجد منه ؟ فيه نظر ، وقياس ما صرحوا به في الصلاة من أنه لو عزم على أن يأتي بمبطل كالعمل الكثير لم تبطل إلا بالشروع فيه أنها لا تنقطع هنا بمجرد العزم المذكور فلا يحتاج لإعادة ما غسله بعد العزم ( قوله : فيعيدها للباقي ) أي دون ما مضى ( قوله أو غيره ) كشفاء نحو المستحاضة ( قوله : وإلا فلا ) ظاهره وإن احتاج إلى ذلك كتفريغ نفسه لتحصيل الخشوع في الصلاة .

                                                                                                                            وعبارة حج : إن كان لعذر ا هـ ، وهي تقتضي حصول الثواب في هذه ( قوله : ويجري ذلك في الصلاة ) أي فلو بطلت صلاته لعذر بعد ركعتين مثلا أثيب عليهما ثواب الصلاة لا على مجرد القراءة والذكر ، بخلاف ما لو أحرم ظان الطهارة فبان خلافه فلا يثاب على الأفعال ويثاب على القراءة والذكر ( قوله : في الأصح ) وصورة ذلك أنه نوى استباحة ذلك كأن قال : نويت استباحة القراءة ، أما لو نوى الوضوء للقراءة فقال حج فيه إنه لا تبطل إلا إذا نوى التعليق أولا ، بخلاف ما لو لم يقصده إلا بعد ذكره الوضوء مثلا لصحة النية حينئذ فلا يبطلها ما وقع بعد .

                                                                                                                            قال سم على منهج : ويتردد النظر في حال الإطلاق وإلحاقه بالأول : أي التعليق أقرب وفيه نظر ا هـ .

                                                                                                                            ولعل وجه النظر أنه إذا قال نويت الوضوء حمل على ما يقتضيه لفظه وهو رفع المنع من الصلاة ونحوها ، فذكر القراءة طارئ بعده وهو لا يضر ، والتعليق إنما يضر حيث قارن قصده اللفظ ، ونظير ذلك ما لو قال أنت طالق بلا قصد ثم ذكر استثناء أو شرطا ، فإنه لغو حملا للصيغة على ما تقتضيه من التنجيز .

                                                                                                                            ويمكن الجواب عنه بأن المقصود من النية الجزم بالاستباحة فذكر ما هو مباح بعدها مخل للجزم بها فأشبه ما لو قال : نويت الوضوء إن شاء الله وأطلق ، ( قوله : لأنه يستبيحه ) يؤخذ منه أنه لو نوى الصبي استباحة مس المصحف لحاجة التعلم لم يصح وضوءه لأنه مباح له بغير وضوء ، وأنه لو نواه لا لخصوص ذلك بأن نوى الاستباحة مطلقا صح لأنه كان يمنع من المس لغير حاجة التعلم فأشبه ما لو نوى استباحة الصلاة أو الطواف ( قوله : وحمل كتب علم شرعي ) ينبغي إن مسها كذلك لأن العلة في استحباب الوضوء لحملها تعظيم العلم وهي موجودة في المس ( قوله : وسماع حديث ) هو وإن كان الوضوء له سنة كالقراءة لكنه لا ثواب في مجرد قراءته وسماعها ، بل لا بد في حصول ذلك من قصد حفظ ألفاظه وتعلم الأحكام ، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، واتصال السند على ما نقله ابن العماد في كتاب المساجد عن الشيخ أبي إسحاق في شرح اللمع ، ورد به على من قال بحصول الثواب مطلقا بأنه لم يطلع على كلام الشيخ أبي إسحاق ، وفي فتاوى حج خلافه ونصها بعد نقل كلام ابن العماد واستظهاره لكلام الشيخ أبي إسحاق : ونقل إفتاء بعضهم بالثواب مطلقا هو الأوجه عندي ، لأن سماعها لا يخلو عن فائدة لو لم يكن إلا عود بركته صلى الله عليه وسلم على القارئ والمستمع ، فلا ينافي ذلك قول بعضهم إن سماع الأذكار مباح لا سنة انتهى .

                                                                                                                            وما استوجهه حج يوافقه ظاهر إطلاق الشارح وله وجه وجيه ( قوله وحمل ميت ومسه ) عبارته في الأغسال المسنونة بعد قول المصنف والغسل لغاسل الميت ما نصه : وقوله [ ص: 164 ] ومن حمله أي أراد حمله ليكون على طهارة ( قوله : ونحو فصد ) ومنه الحجامة ( قوله : لم يصح لتلاعبه ) أي بخلاف ما لو نوى به الصلاة في وقت الكراهة فإنه يصح .

                                                                                                                            والفرق أن صحة الصلاة لا تجامع النجاسة الغير المعفو عنها مطلقا وتجامع وقت الكراهة في الجملة كما في ذوات السبب م ر ا هـ سم .

                                                                                                                            ويؤخذ من التعليل أنه لو نوى ليصلي به في الأوقات المكروهة صلاة مكروهة لم يصح ، وهو ما استوجهه سم على حج ، لكن الذي في فتاوى الشارح خلافه .

                                                                                                                            وعبارته : سئل عن شخص توضأ في وقت الكراهة ليصل به صلاة لا سبب لها هل يصح وضوءه أم لا كما لو توضأ ليصل به في مكان نجس ؟ فأجاب بأن الظاهر في المقيس الصحة وفي المقيس عليه عدمها .

                                                                                                                            ويفرق بينهما بأنه عهد جوازها في الأوقات المكروهة ولا كذلك في المحل المتنجس ا هـ بحروفه .

                                                                                                                            ويؤخذ من التعليل أنه لو نوى في رجب الوضوء ليصلي به العيد في رجب لم يصح أيضا لما ذكر ( قوله : زكاة ماله الغائب ) أي بمحل لا يعد إخراجها في الموضع الذي أخرج فيه نقلا للزكاة ( قوله : والأولى أضيق ) أي وأيضا فمسألة الزكاة ردد في نيتها بين أمرين كل منهما صحيح بتقدير وجوده ، وما هنا ردد فيه بين القراءة وهي غير معتد بنيتها على كل حال فضعفت نيته ( قوله ونيته ) الواو للحال ( قوله : لانتفاء فعله ) قضيته أنه لو نوى الوضوء عند غسل الوجه وغسل أعضاءه غير رجليه ثم نزل في الماء بعد غافلا عن النية ارتفع حدثهما لكون النزول من فعله ، بخلاف ما لو أصابه مطر أو صب الماء عليه غيره فإنه إن كان مستحضرا للنية ارتفع حدثهما وإلا فلا ، ثم ظاهر ما ذكر أنه لو نزل الماء لغرض كإزالة ما على رجليه من الوحل ، أو قصد أن يقطع البحر ويخرج منه إلى الجانب الآخر ارتفع حدثهما ، وينبغي خلافه لأن نزوله لذلك الغرض يعد صارفا عن الحدث ، ومحل عدم اشتراط استحضار النية حيث لا صارف كما قاله سم على منهج : أي بأن قصد الغسل عن الحدث أو أطلق فتنبه له فإنه يقع كثيرا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والنية مطلقا ) أي إن لم يكن شرع في شيء من أفعال الوضوء وإلا انقطعت ، ولا تبطل بحيث لو أسلم بنى كما [ ص: 163 ] صرحوا به ، فمراده بالبطلان ما يعم القطع ( قوله بغير اختياره ) وعبارة التحفة بغير عذر ( قوله : مع المتن أو نوى بوضوئه ما يندب إلخ ) ظاهره أنه عام في جميع النيات فيشمل ما لو قال نويت الوضوء لقراءة القرآن مثلا ، [ ص: 164 ] والشهاب ابن حجر خص المتن بنية الاستباحة كما هو قضية صنيع غيره كالروضة ، ثم قال : نعم إن نوى الوضوء للقراءة لم يبطل إلا إن قصد التعليق بها أولا ، بخلاف ما لو لم يقصد إلا بعد ذكره الوضوء مثلا لصحة النية حينئذ فلا يبطلها [ ص: 165 ] ما وقع بعد انتهى




                                                                                                                            الخدمات العلمية