الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 440 ] الطرف الثالث : فيما تصير به الأمة فراشا ، فيه مسائل .

                                                                                                                                                                        الأولى : لا تصير الأمة فراشا بمجرد الملك ، فلو كانت تحل له وخلا بها ، فولدت ولدا يمكن كونه منه ، لم يلحقه ، بخلاف الزوجة ، لأن مقصود النكاح الاستمتاع والولد ، وإنما تصير الأمة فراشا إذا وطئها ، فإذا أتت بعد الوطء بولد لزمان يمكن أن يكون منه ، لحقه ويعرف الوطء بإقراره أو بالبينة .

                                                                                                                                                                        فلو نفى الولد مع الاعتراف بالوطء ، فإن ادعى الاستبراء بحيضة بعد الوطء ، نظر ، إن ولدته لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء ، فالاستبراء لغو فيلحقه الولد . فلو أراد نفيه باللعان ، فقد سبق في كتاب اللعان ، أن الصحيح جواز اللعان في هذه الصورة ، وإن ولدته لستة أشهر إلى أربع سنين ، فالمذهب والمنصوص أنه لا يلحقه ، وقد سبق فيه خلاف وتخريج . فلو أنكرت الاستبراء ، فهل يحلف السيد ، أم يصدق بغير يمين ؟ وجهان . الصحيح الذي عليه الجمهور ، أنه يحلف . فعلى هذا ، هل يكفي الحلف على الاستبراء ، أم يضم إليه أن الولد ليس منه ، أم يكفي الحلف أن الولد ليس منه من غير تعرض للاستبراء كما في نفي ولد الزوجة ؟ فيه أوجه . أصحها الثالث ، ويفهم منه ، أنه لو علم أن الولد من غيره ولم يستبرئها ، جاز له نفيه والحلف عليه ، لا على سبيل اللعان .

                                                                                                                                                                        وإذا حلف على الاستبراء ، فهل يقول : استبرأتها قبل ستة أشهر من ولادتها هذا الولد ، أم يقول : ولدته بعد ستة أشهر بعد استبرائي ؟ فيه وجهان . ولو نكل ، فوجهان . أحدهما : يلحقه بنكوله . والثاني : تحلف الأمة ، فإن نكلت توقفنا إلى بلوغ الصبي ، فإن حلف بعد البلوغ ، لحق به .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : ادعت الوطء وأمية الولد ، وأنكر السيد أصل الوطء ، فالصحيح أنه لا يحلف ، وإنما حلف في الصورة السابقة ، لأنه سبق منه الإقرار بما يقتضي ثبوت النسب ، وقيل : يحلف ، لأنه لو اعترف به ثبت النسب . وإذا لم يكن ولد ، لم يحلف بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أقر بالوطء فأتت بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الوطء ، لم يلحقه على الصحيح ، وقيل : يلحقه كولد الزوجة ، وهذا تفريع على أنه يلحقه بعد الاستبراء ، ويقرب منه الخلاف فيما لو أتت بولد يلحق السيد ، ثم ولدت آخر لستة أشهر فصاعدا ، هل يلحقه الثاني ، لأنها صارت فراشه فيلحقه أولادها كالزوجة ، [ ص: 441 ] أم لا يلحقه ؟ إلا أن يقر بوطء جديد ، لأن هذا الفراش يبطل بالاستبراء ، فبالولادة أولى .

                                                                                                                                                                        أما لو أتت بالولد الثاني لدون ستة أشهر ، فهما حمل واحد ، فإذا لحقه الأول ، لحقه الثاني بلا خلاف . وأصل الخلاف أن أم الولد ، هل تعود فراشا للسيد إذا انقطعت علقة الزوج عنها نكاحا وعدة ؟ وفيه قولان . أحدهما : تعود حتى لو مات السيد ، أو أعتقها بعد ذلك لزمها الاستبراء . ولو أتت بولد لستة أشهر فصاعدا من انقطاع علقة الزوج ، لحق السيد . والثاني : لا تعود فراشا ما لم يطأها ، فلو ولدت لدون أربع سنين من الطلاق ، لحق بالزوج . لكن الأظهر ، أن أم الولد تعود فراشا ، والأصح أنه لا يلحقه الولد الثاني إلا أن يقر بوطء جديد ، لأن الولادة أقوى من الاستبراء .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قال : كنت أطأ وأعزل ، لحقه الولد على الأصح ، لأن الماء قد يسبق ، ولأن أحكام الوطء لا يشترط فيها الإنزال . وقيل : ينتفي عنه كدعوى الاستبراء ، ولو قال : كنت أطأ في الدبر ، لم يلحقه الولد على الصحيح ، ولو قال : كنت أصيبها فيما دون الفرج ، لم يلحقه على الأصح .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لو اشترى زوجته ، فولدت بعد الشراء ، فقد سبق في كتاب اللعان بيان أنه متى يلحقه هذا الولد بالنكاح ، ومتى يلحقه بملك اليمين ، ومتى لا يلحقه ؟ ولا يحكم بكونها أم ولد إذا احتمل كونه من النكاح فلم يقر بالوطء بعد الشراء .

                                                                                                                                                                        وقيل : يلحق إذا أمكن كونه من وطء ملك اليمين وهو ضعيف ، ولو أقر بالوطء بعد الشراء ، ولحق الولد بملك اليمين ، ولكن احتمل كونه من النكاح ، ثبتت أمومة الولد على الأصح ، وأجري الوجهان فيما لو زوج أمته وطلقت قبل الدخول ، وأقر السيد بوطئها فولدت لزمن يحتمل كونه منهما ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية