الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                843 ص: حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يحيى بن يحيى ، قال: ثنا هشيم (ح).

                                                وثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا عمرو بن عون ، قال: ثنا هشيم ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس قال: " ما كان التثويب إلا في صلاة الغداة ، إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم مرتين" .

                                                قال أبو جعفر : فهذا ابن عمر وأنس -رضي الله عنهم-، يخبران أن ذلك مما كان المؤذن يؤذن به في أذان الصبح، فثبت بذلك ما ذكرناه، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان إسنادان:

                                                الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن يحيى بن يحيى النيسابوري ، عن هشيم بن بشير ، عن عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس .

                                                وأخرجه الدارقطني : ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ، ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا هشيم ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين عن أنس قال: "كان التثويب في صلاة الغداة ، إذا قال المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ أن يقول: الصلاة خير من النوم" .

                                                [ ص: 61 ] الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عمرو بن عون ، عن هشيم بن بشير ، عن عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس نحوه.

                                                وأخرج البيهقي في "سننه" بإسناده إلى أبي أسامة : ثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس قال: " من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" .

                                                قال الذهبي في مختصر السنن: إسناده صحيح.

                                                قوله: "مكان التثويب" الأصل في التثويب أن يجيء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء تثويبا لذلك، وكل داع مثوب، وقيل: إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فإن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعد: الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها، ومن ذلك تسمى الثيب؛ مصيبها عائد إليها.

                                                وهذا أنس -رضي الله عنه- قد فسر التثويب بقوله: "الصلاة خير من النوم".

                                                وقال الترمذي : واختلف أهل العلم في تفسير التثويب فقال بعضهم: أن يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول ابن المبارك وأحمد ، وقال إسحاق في التثويب غير هذا، قال: التثويب شيء أحدثه الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. قال: وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي -عليه السلام-، والذي فسر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم هو قول صحيح، وهو الذي اختاره أهل العلم.

                                                [ ص: 62 ] وفي "البدائع" ذكر محمد في كتاب الصلاة: قلت: أرأيت كيف التثويب في صلاة الفجر؟ قال: كان التثويب الأول بعد الأذان: الصلاة خير من النوم، فأحدث الناس هذا التثويب، وهو حسن فسر التثويب وبين وقته، ولم يبين التثويب المحدث ولم يبين وقته، وفسر ذلك في "الجامع الصغير" وبين وقته، فقال: التثويب الذي يصنعه الناس بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين حسن، وإنما سماه محدث؛ لأنه حدث في زمان التابعين، ووصفه بالحسن لأنهم استحسنوه.

                                                وأما محل التثويب : فمحل الأول: هو صلاة الفجر عند عامة العلماء، وقال الناس بالتثويب في صلاة العشاء أيضا، وهو أحد قولي الشافعي في القديم، وأنكر التثويب في الحديث.

                                                وأما التثويب المحدث فمحله صلاة الفجر أيضا ووقته بين الأذان والإقامة، وتفسيره أن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح غير أن مشايخنا قالوا: لا بأس بالتثويب المحدث في سائر الصلوات؛ لفرط غلبة الغفلة على الناس في زماننا، وشدة ركونهم إلى الدنيا، وتهاونهم بأمور الدين، فصار سائر الصلوات في زماننا مثل الفجر في زمانهم، فكانت زيادة الإعلام من باب التعاون على البر فكان مستحسنا، ولهذا قال أبو يوسف : لا أرى بأسا أن يقول المؤذن: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله لاختصاصهم بزيادة شغل بسبب النظر في أمور الرعية فاحتاجوا إلى زيادة إعلام نظرا لهم، ثم التثويب في كل بلدة على ما يتعارفونه إما بالتنحنح أو بقوله: الصلاة الصلاة، أو قامت قامت، ونحو ذلك. انتهى.

                                                وعند الشافعي ومالك وأحمد : لا تثويب في الفجر يعني التثويب المحدث كما في سائر الصلوات، وقد عرف هذا في الفروع.




                                                الخدمات العلمية