الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما وصفنا من حال التراب في جواز التيمم به فلا بد أن يكون مستعملا للتراب في أعضاء التيمم ثم يعلق بيده من غباره فإن لم يعلق بيده غبار لم يجزه ، وقال أبو حنيفة ومالك يجزئه ، وإن لم يعلق بيده شيء منه حتى لو أمر يده على طين يابس ، أو صخرة ملساء ومسح بها وجهه أجزأه ، استدلالا برواية الأعرج عن ابن الصمة قال : مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فتمسح بجدار ثم تيمم وجهه وذراعيه .

                                                                                                                                            قالوا : " ومعلوم أن الجدار أملس لا غبار عليه ، وروى عبد الرحمن بن أبزى عن [ ص: 242 ] عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الأرض ثم نفخ ومسح بها وجهه وذراعيه " قالوا : وبالنفخ يزول ما علق باليد من تراب أو غبار ، قالوا : ولأنه قد باشر بيده ما يتيمم به فوجب أن يجزئه قياسا عليه إذا علق بيده شيء منه ، ولأنه مسح أقيم مقام الغسل فلم يكن من شرطه إيصال الطهور إلى العضو ، قياسا على المسح على الخفين .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 5 ] فأوجب الظاهر أن يكون من الصعيد ممسوحا به في الوجه واليدين ، فإذا لم يعلق باليد شيء منه لم يكن ممسوحا به فلم يجز ، وقال صلى الله عليه وسلم : " وجعل لي التراب طهورا " وما لا يلاقي محل الطهارة لا يكون طهورا ، ولأنها طهارة عن حدث فوجب أن تفتقر إلى استعمال ما يكون طهورا فيها كالوضوء ، ولأنه ممسوح أبدل من غسل فوجب إيصال الممسوح به إلى محله ، قياسا على مسح الجبائر والخفين في الطهارة ، فوجب أن يفتقر إلى ممسوح به قياسا على مسح الرأس في الوضوء .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بالجدار ، فهو أن الجدار لا ينفك من الغبار ، وأن الماسح بيده لا يخلو من حصول ذلك فيها ، وذلك مدرك بالمشاهدة ، وأما الجواب عن حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يده فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه نفخ ما يعلق بها من كثير التراب : لأن النفخ لا يذهب جميع ما علق بها من الغبار .

                                                                                                                                            والثاني : أنه إنما ينفخ فكرة حصول الغبار على وجهه لأنه قصد بالتيمم التعليم لعمار : لأنه أراد أن يتيمم لنفسه ، وفي القدر الذي فعله كفاية في التعليم ، وأما قياسهم عليه إذا علق بيده غبار ، فالمعنى فيه أنه جعل مستعملا لما يتطهر به في أعضائه .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على المسح على الخفين فيقلب عليهم ، فيقال فوجب أن يكون من شرطه إيصال الطهور إلى محل التطهير كالمسح على الخفين ، ثم المعنى في المسح على الخفين أنه قد أقيم مقام غسل الرجلين فلم يلزم إيصال الماء إلى الرجلين ، وليس كذلك أعضاء التيمم : لأنه لم يستبدل بها غيرها فيجزي تطهيرها والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية