الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3928 188 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، قال : حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : [ ص: 218 ] خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق ، فلحقت عمر امرأة شابة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، هلك زوجي وترك صبية صغارا ، والله ما ينضجون كراعا ، ولا لهم زرع ولا ضرع ، وخشيت أن تأكلهم الضبع ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري ، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال : مرحبا بنسب قريب ، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار ، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما ، وحمل بينهما نفقة وثيابا ، ثم ناولها بخطامه ، ثم قال اقتاديه ، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين أكثرت لها ، قال عمر : ثكلتك أمك والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : وقد شهد أبي الحديبية ، وأسلم - والد زيد - مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من سبي اليمن ، ويقال : من سبي عين التمر ابتاعه عمر بمكة سنة إحدى عشرة ، قوله : " فلحقت عمر امرأة شابة " ، وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي : " فلقينا امرأة فتشبثت بثيابه " ، وفي طريق سعيد بن داود عن مالك : " فتعلقت بثيابه " وفي رواية الدارقطني : إني امرأة مؤتمة ، قوله : " صبية " بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة جمع صبي ، قوله : " ما ينضجون كراعا " بضم الياء وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم ، يعني لا كراع لهم حتى ينضجونه أو لا كفاية لهم في ترتيب ما يأكلونه أو لا يقدرون على الإنضاج ، يعني أنهم لو حاولوا نضج كراع ما قدروا لصغرهم ، والكراع من الدواب ما دون الكعب ، ومن الإنسان ما دون الركبة ، قوله : " ولا لهم زرع " أي نبات ، قوله : ولا ضرع كناية عن النعم ، قوله : " أن تأكلهم الضبع " بفتح الضاد المعجمة ، وضم الباء الموحدة ، وبالعين المهملة - السنة المجدبة الشديدة ، وأيضا الحيوان المشهور ، وقال الداودي : سميت بذلك لأنه يكثر الموتى فيها حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وغيرها . قيل : فيه نظر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأنا بنت خفاف " بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى - ابن إيماء بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالمد ، وقيل : أيما بالفتح والقصر ، وهو منصرف ابن رحضة بالحاء المهملة - ابن خزيمة بن خلان بن الحارث بن غفار الغفاري - بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء ، وقال أبو عمر يقال : لخفاف وأبيه وجده صحبة ، وكانوا ينزلون غيقة بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وقاف من بلاد غفار ، ويأتون المدينة كثيرا ، وقال ابن الكلبي : خفاف بن إيماء من المعذرين من الأعراب ، وقال الواقدي : كان فيمن جاء من الأعراب من بني غفار إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو يريد تبوك - يعتذرون إليه في التخلف عنه ، فلم يعذرهم الله ، ولخفاف هذا حديث موصول عند مسلم . قوله : " شهد أبي الحديبية " ، ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال : لما نزل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا ، وبعث بها مع ابنه خفاف ، فقبل هديته ، وفرق الغنم في أصحابه ، ودعا بالبركة . قوله : " مرحبا " معناه أتيت سعة ورحبا . قوله : " بنسب قريب " يحتمل أن يريد به قرب نسب غفار من قريش ; لأن كنانة تجمعهم ، ويحتمل أنه أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف ، قوله : ظهير أي قوي الظهر معد للحاجة ، وقال الجوهري : بعير ظهير بين الظهارة إذا كان قويا ، وناقة ظهيرة ، قوله : " غرارتين " تثنية غرارة بالغين المعجمة ، وهي التي تتخذ للتبن وغيره ، وقيل : هي معربة ، قوله : " بخطامه " أي بخطام البعير ، وهو الحبل الذي يقاد به ، سمي بذلك لأنه يقع على الخطم ، وهو الأنف . قوله : " اقتاديه " أمر من الاقتياد ، وفي رواية سعيد بن داود : " قودي هذا البعير " قوله : " بخير " ، وفي رواية سعيد بن داود : " بالرزق " ، قوله : " ثكلتك أمك " هي كلمة تقولها العرب للإنكار ، ولا يريدون حقيقتها ، كقولهم : تربت يداك وقاتلك الله ، ومعناه الحقيقي : فقدتك أمك ، وهو الدعاء بالموت من الثكل بضم الثاء وسكون الكاف ، وهو فقد الولد .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 219 ] ويقال : امرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان . قوله : " أبا هذه " أي أبا هذه المرأة ، وهو خفاف وأخوها لم يدر اسمه ، وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد ، وهما تابعيان ، والحارث روى عن أبيه ، ومخلد يروي عن عروة ، وروى عنه ابن أبي ذئب حديث الخراج من الضمان ، أخرج له الأربعة ، وأما مخلد الغفاري فله صحبة ، ذكره البخاري في الصحابة ، وقال أبو حاتم الرازي : ليس له صحبة ، وقول أبي عمران : لخفاف وأبيه وجده صحبة - يدل على أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة ، وهم بنت خفاف ، وخفاف وأبوه إيماء وجده رحضة ، وفيه رد على من زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة سوى بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، قوله : " حصنا " أي حصنا من الحصون ، فافتتحاها ، وكان ذلك في غزوة لم يدر أي غزوة كانت ، قيل : يحتمل أن تكون خيبر ; لأنها كانت بعد الحديبية ، ولها حصون قد حوصرت . قوله : نستفيء " بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبالفاء وبالهمزة في آخره ، من استفأت هذا المال أي أخذته فيئا ، أي : نطلب الفيء من سهمانهما ، وسمي فيئا لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار ، ومنه : يتفيأ ظلاله أي ترجع على كل شيء من حوله ، ومنه : فإن فاءوا أي رجعوا ، والسهمان بضم السين ، وهو جمع سهم ، وهو النصيب ، وفي رواية الحموي نستقي بالقاف وبدون الهمزة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية