الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة

                                                                      992 حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسمعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد بن حنبل أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده وقال ابن شبويه نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة وقال ابن رافع نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده وذكره في باب الرفع من السجود وقال ابن عبد الملك نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد ) سيجيء بيان ألفاظ شيوخ المؤلف في هذا الحديث وهناك تظهر لك الرواية الراجحة من الرواية المرجوحة . قال ابن رسلان في شرح السنن : وقال ابن عبد الملك في روايته : نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة . قال شارح المصابيح : يعني لا يضع يديه على الأرض ولا يتكئ عليها إذا نهض للقيام ، وهذه الرواية حجة للحنفية ، واختيار الخرقي وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وبه يقول مالك وأصحاب الرأي ، وقال أحمد أكثر الأحاديث على أنه لا يجلس للاستراحة ولا يضع يديه معتمدا عليهما . وذهب الشافعي إلى أنه يجلس ، وبه قال مالك بن الحويرث وأبو حميد ورواية عن أحمد .

                                                                      [ ص: 210 ] وحجة الشافعية حديث مالك بن الحويرث " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا " رواه البخاري . وأجابوا عن قول أحمد أنه الذي عليه أكثر الأحاديث ، فمراده أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الجلسة إثباتا ولا نفيا واحتجوا على الاعتماد على الأرض للقيام بحديث أيوب السختياني عن أبي قلابة وفيه " فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام " رواه البخاري في صحيحه . وأجابوا عن حديث ابن عمر هذا بأنه ضعيف من وجهين . أحدهما أن رواية محمد بن عبد الملك مجهول . والثاني أنه مخالف لرواية الثقات لأن أحمد بن حنبل رفيق محمد بن عبد الملك الغزال بفتح الغين المعجمة والزاي المشددة في الرواية لهذا الحديث عن عبد الرزاق وقال فيه : نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يده ، ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين من دون الأخرى أحد وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذا مردودا ، وعلى تقدير صحة هذه الرواية فهي محمولة على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في آخر عمره عند كبره وضعفه ، وهذا فيه جمع بين الأخبار أو محمول على أنه فعله مرة لبيان الجواز . انتهى كلام ابن رسلان رحمه الله بلفظه . انتهى .

                                                                      وقال السيد عبد الله الأمير رحمه الله تعالى : حديث ابن عمر في النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة رواه أبو داود عن أربعة من شيوخه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك ولفظ أحمد بن حنبل " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده " قال ابن رسلان : الرواية الصحيحة يديه ولفظ ابن رافع : " نهى أن يعتمد الرجل على يديه في الصلاة " وقال أبو داود : وذكروه في باب الرفع من السجدة . قال ابن رسلان : يعني بل يضعها على ركبتيه انتهى فعرف من هذا أن رواية ابن شبويه وابن رافع مطلقة ، ورواية أحمد بن حنبل مقيدة بحال الجلوس ، ورواية ابن عبد الملك مقيدة بحال النهوض فقد تعارض القيدان والحديث واحد وراوية الإمام أحمد أرجح لأنه إمام ثقة مشهور العدالة .

                                                                      ومحمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي قال فيه في التقريب صدوق وهو ممن يصحح حديثه أو يحسن بالمتابعة والشواهد .

                                                                      [ ص: 211 ] ويرجح رواية الإمام أحمد بن حنبل أيضا ما في البخاري من حديث مالك بن الحويرث بلفظ " واعتمد على الأرض " وعند الشافعي " واعتمد بيديه على الأرض " والله سبحانه أعلم . انتهى من خط السيد العلامة رحمه الله . وقال علي القاري في المرقاة : نهى أن يعتمد أي يتكئ الرجل على يديه إذا نهض أي قام في الصلاة بل ينهض على صدور قدميه من غير اعتماد على الأرض وبه قال أبو حنيفة : قال في الأزهار : قيل معنى قوله أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده أن يضع يده في التشهد على الأرض ويتكئ عليها وقيل هو أن يجلس الرجل في الصلاة ويرسل اليدين إلى الأرض من فخذيه ، وقيل هو أن توضع على الأرض قبل الركبتين في الهوي ، وقيل هو أن يضع يديه على الأرض عند القيام ، والأول أقرب إلى اللفظ يعني والأخير هو في غاية من البعد في اللفظ والمعنى ، إذ معناه لا يلائم النهي عن الجلوس .

                                                                      وأيضا لو حمل على المعنى الأخير لتناقضت الروايتان عن راو واحد ، ومع هذا قال ، وبه قال الشافعي ، وتمسك أبو حنيفة بالرواية الثانية على أن المصلي لا يعتمد على يديه عند قيامه . ويعتمد على ظهور القدمين ، لما روى أبو هريرة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه " رواه أبو داود . انتهى كلام القاري .

                                                                      قلت : حديث صدور القدمين ما أخرجه أبو داود بل أخرجه الترمذي وضعفه وأخرجه ابن عدي في الكامل وهو أيضا ضعيف ، فلا يصلح لمعارضة حديث مالك بن الحويرث الذي عند البخاري . نعم روي عن جماعة من الصحابة أنهم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم أخرج عنهم ابن أبي شيبة وعبد الرازق في مصنفيهما والبيهقي في سننه لكن هذا كله موقوف فكيف يترك المرفوع بالموقوف ، ومعنى رواية أحمد بن حنبل هو ما ذكره العلامة عبد الله الأمير اليماني ، وقال في الأزهار هو أقرب إلى اللفظ والله أعلم . ( إذا نهض ) أي قام .




                                                                      الخدمات العلمية