الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 36 ] الطرف الثالث : في الشهادة على الرضاع فيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : يثبت الرضاع بشهادة رجلين ، وبرجل وامرأتين ، وبأربع نسوة كالولادة ، ولا يثبت بدون أربع نسوة ، ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين ، وفي " التتمة " أنه لو كان النزاع في شرب اللبن من ظرف ، لم تقبل فيه شهادة النسوة المتمحضات ، لأنه لا يختص باطلاع النساء ، وإنما تقبل شهادتهن إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي ، وأنه تقبل شهادتهن على أن اللبن الحاصل في الظرف لبن فلانة ، لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا .

                                                                                                                                                                        الثانية : لو كان فيمن يشهد بالرضاع أم المرأة ، أو بنتها على حرمة الرضاع بينها وبين الزوج فإن كان الزوج مدعيا ، والمرأة منكرة ، قبلت شهادتها ، وإن انعكس فلا ، قال الأصحاب : ولا يتصور أن تشهد على أمها أنها ارتضعت من أم الزوج ، لأن الشهادة على الرضاع تعتبر فيها المشاهدة ، لكن يتصور أن تشهد أنها أرضعت الزوج أو أرضعته أمها أو أختها ، ولو شهدت الأم أو البنت من غير تقدم دعوى على سبيل الحسبة ، قبلت وإن احتمل كون الزوجة مدعية ، لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة ، وهذا كما لو شهد أبو الزوجة وابنها أو ابناها ابتداء أن زوجها طلقها ، قبلت . ولو ادعت الطلاق ، فشهدا ، لم تقبل .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لا تقبل شهادة المرضعة وحدها ، وهل تقبل شهادتها فيمن يشهد إن ادعت أجرة الرضاع ، لم تقبل ، وفي وجه حكاه الماوردي عن أبي إسحاق : تقبل في ثبوت الحرمة دون الأجرة ، والصحيح المنع فيهما . وإن لم تدع أجرة ، نظر ؛ إن لم تتعرض لفعلها بأن شهدت بأخوة الرضاع بينهما ، أو على أنهما ارتضعا منها ، قبلت شهادتها ، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية ، وجواز الخلوة والمسافرة ، فإن الشهادة لا ترد بمثل [ ص: 37 ] هذه الأغراض . ولهذا لو شهد رجلان أن زيدا طلق زوجته ، أو أعتق أمته ، قبل بلا خلاف ، وإن استفادا حل مناكحتها . وإن شهدت على فعل نفسها ، فقالت : أرضعتهما ، فوجهان : أحدهما : لا تقبل ، كما لا تقبل شهادتها على ولادتها ، ولا شهادة الحاكم على حكم نفسه بعد العزل ، ولا القسام على القسمة . وأصحهما : تقبل ، وبه قطع الأكثرون ، لأنها لا تجر بها نفعا ولا تدفع ضررا بخلاف الولادة ، فإنه يتعلق بها حق النفقة والإرث ، وسقوط القصاص وغيرها ، وتخالف شهادة الحاكم والقسام ، فإن فعلهما مقصود ، وفعل المرضعة غير مقصود ، وإنما المعتبر وصول اللبن إلى الجوف ، ولأن الشهادة بالحكم والقسمة تتضمن تزكية النفس .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا لم يتم نصاب الشهادة بأن شهدت المرضعة وحدها ، أو امرأة أجنبية ، أو امرأتان ، أو ثلاث ، فالورع أن يترك نكاحها ، وأن يطلقها إن كان ذلك بعد النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو شهد اثنان بالرضاع ، وقالا : تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل الشهادة ، لم تقبل شهادتهما لأنهما فاسقان بقولهما ، وفي النظر إلى الثدي لتحمل الشهادة خلاف سبق في أول النكاح ، الأصح الجواز .

                                                                                                                                                                        قلت : مجرد النظر معصية صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر عليه فاعله ، ويشترط أيضا أن لا تكون ظهرت توبته بعد ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية