الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ رحمة الله تعالى عليه : ذكر الأئمة والعلماء له :

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الخضر بن داود ، يقول : سمعت الحسن بن محمد الزعفراني ، يقول : قال محمد بن الحسن : إن تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعي ، يعني لما وضع كتابه .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عمرو بن عثمان المكي ، ثنا أحمد بن محمد ابن [ ص: 92 ] بنت الشافعي ، قال : سمعت أبي وعمي ، يقولان : كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والرؤيا يسأل عنها ، التفت إلى الشافعي ، فيقول : سلوا هذا .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا محمد بن روح ، عن إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : كنا في مسجد سفيان بن عيينة ، يحدث عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به رجل في بعض الليل ، وهو مع امرأته صفية ، فقال : هذه امرأتي صفية ، فقال : سبحان الله يا رسول الله ! فقال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، فقال سفيان بن عيينة للشافعي : ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله ؟ فقال : إن كان القوم اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا بتهمتهم إياه كفارا ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أذن من بعده ، فقال : " إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا ، حتى لا يظن بكم ظن السوء " : لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتهم ، وهو أمين الله في أرضه . فقال ابن عيينة : جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي ، يقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما هي صفية " : ما هذا من النبي صلى الله عليه وسلم للتهمة ، لو اتهماه لكفرا ، هذا من النبي صلى الله عليه وسلم على الأدب ، يقول : إذا مر أحدكم على رجل يكلم امرأة ، وهي منه بنسب ، فليقل : إنها فلانة ، وهي مني بنسب . فقال ابن عيينة : جزاك الله خيرا أبا عبد الله .

              حدثنا أبو أحمد الغطريفي ، حدثني أبو علي آدم بن موسى الحواري ، قال : سمعت أبا معين ، يقول : سمعت بعض أصحابنا يقول : سأل رجل سفيان بن عيينة عن من نفخ في صلاته ما كفارته ؟ قال : فسأل سفيان الشافعي - وكان في مجلسه - فقال الشافعي : نفخ " ن ف خ " ثلاثة أحرف ، يكفره " سبحان " هو أربعة أحرف ، لكل حرف من ذلك حرف من هذا وزيادة حرف ، قال الله عز وجل : ( الحسنة بعشر أمثالها ) ، فقال سفيان بن عيينة : وددت أني كنت أحسن مثلها .

              [ ص: 93 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا عمر بن العباس ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، يقول - وذكر الشافعي - فقال : كان شابا مفهما .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثني عمرو بن عثمان المكي ، عن الزعفراني ، قال : سمعت يحيى بن معين ، يقول : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أنا أدعو الله في صلاتي للشافعي منذ أربع سنين .

              حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، ثنا زكريا الساجي ، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثت عن يحيى بن سعيد القطان ، فذكر مثله .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا عبد العزيز بن أحمد بن أبي رجاء ، قال : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : كان محمد بن الحسن يقرأ علي جزءا ، فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقا ، فقالوا له : إذا جاء هذا الحجازي قرأت عليه جزءا ، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقا ؟ قال : اسكتوا ، إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ح . وحدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قالا : ثنا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الحميدي ، يقول : سمعت الزنجي مسلم بن خالد يقول للشافعي : أفت يا أبا عبد الله ، فقد والله آن لك أن تفتي . وهو ابن خمس عشرة سنة .

              سمعت سليمان بن أحمد ، يقول : سمعت أحمد بن محمد الشافعي ، يقول : كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس ، وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح ، وبعد عطاء لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وبعد ابن جريج لمسلم بن خالد الزنجي ، وبعد مسلم لسعيد بن سالم القداح ، وبعد سعيد لمحمد بن إدريس الشافعي ، وهو شاب .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أحمد بن روح ح . وحدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عمرو بن عثمان ، قالا : ثنا أحمد بن العباس ، قال : سمعت علي بن عثمان ، وجعفرا [ ص: 94 ] الوراق ، يقولان : سمعنا أبا عبيد ، يقول : ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : سمعت أحمد بن يحيى ، يقول : سمعت الحميدي ، يقول : سمعت سيد الفقهاء محمد بن إدريس الشافعي .

              حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي ، قال : سمعت الربيع ، يقول : سمعت أيوب بن سويد الرملي ، يقول : ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل ، حدثني محمد بن أحمد بن أبي يوسف الخلال ، ثنا يحيى بن نصر الشافعي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته يقول : " أقروا الطير على وكناتها " ، فقال الشافعي في قوله عليه الصلاة والسلام : " أقروا الطير على وكناتها " : إن علم العرب كان في زجر الطير ، والبارح ، والخط ، والإعساف ، كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرا نظر أول طير يراه ، فإن سنح عن يساره ، فاجتاز عن يمينه ، فمر عن يساره ، قال : هذا طير الأشائم ، فرجع وقال : حاجة مشئومة . فقال الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري :

              لا تزجر الطير شحا إن عرضن له ولا يفيض على قسم بأزلام

              يعني أنه سلك الإسلام في التوكل على الله ، وترك زجر الطير . وقال بعض شعراء العرب يمدح نفسه :

              ولا أنا ممن يزجر الطير همه     أصاح غراب أم تعرض ثعلب

              وكانت العرب في الجاهلية إذا كان الطير سانحا فرأى طيرا في وكره ، حركه ، فيطير ، فينظر : أسلك له طريق الأشائم أم طريق الأيامن ؟ فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أقروا الطير على وكناتها " ، أي : لا تحركوها : فإن تحريكها وما تعملونه مع الطير لا يصنع ما يوجهون له قضاء الله عز وجل ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطير ، فقال : إن ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه ، فلا يصدنكم .

              [ ص: 95 ] حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ، ثنا محمد بن مهاجر - أخو حبيب القاضي - ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن يزيد ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أقروا الطير على مكناتها " . قال : فسمعت ابن عيينة يسأل عن هذا الحديث ، فيفسره على نحو ما فسره الشافعي . قال ابن مهاجر : فسألت الأصمعي عن تفسير هذا الحديث ، فقال مثل ما قال الشافعي ، قال : وسألت وكيعا ، فقال : إنما هي عندنا على صيد الليل ، فذكرت له قول الشافعي ، فاستحسنه ، وقال : ما ظننته إلا على صيد الليل .

              حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا تميم بن عبد الله الرازي ، قال : سمعت سويد بن سعيد ، يقول : كنا عند سفيان بن عيينة ، فجاء محمد بن إدريس فجلس ، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا ، فغشي على الشافعي ، فقيل : يا أبا محمد ، مات محمد بن إدريس ، فقال ابن عيينة : إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه .

              حدثنا أبو حامد ، ثنا أحمد ، ثنا تميم ، قال : سمعت أبا زرعة ، يقول : سمعت قتيبة بن سعيد ، يقول : مات الشافعي ، وماتت السنة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية