الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يا أيها الناس ضرب مثل " قال الأخفش : إن قيل : أين المثل ؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أنه ليس هاهنا مثل ، وإنما المعنى : يا أيها الناس ضرب لي مثل ; أي : شبهت بي الأوثان ، " فاستمعوا " لهذا المثل . وتأويل الآية : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي ، فاستمعوا حالها ، ثم بين ذلك بقوله : " إن الذين تدعون " ; أي : تعبدون ، " من دون الله " وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وابن أبي عبلة : ( يدعون ) بالياء المفتوحة . وقرأ ابن السميفع ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : ( يدعون ) بضم الياء وفتح العين ، يعني : الأصنام . " لن يخلقوا ذبابا " والذباب واحد ، والجمع القليل : أذبة ، والكثير : الذبان ، مثل : [ ص: 452 ] غراب وأغربة وغربان . وقيل : إنما خص الذباب لمهانته واستقذاره وكثرته . " ولو اجتمعوا " يعني : الأصنام ، " له " ; أي : لخلقه ، " وإن يسلبهم " يعني : الأصنام . قال ابن عباس : كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجف ، فيأتي الذباب فيختلسه . وقال ابن جريج : كانوا إذا طيبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء ، كالعسل ونحوه ، فيقع عليه الذباب فيسلبها إياه ، فلا تستطيع الآلهة ولا من عبدها أن يمنعه ذلك . وقال السدي : كانوا يجعلون للآلهة طعاما ، فيقع الذباب عليه فيأكل منه . قال ثعلب : وإنما قال : " لا يستنقذوه منه " فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين ; إذ كانوا يعظمونها ويذبحون لها وتخاطب ، كقوله : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [ النمل : 18 ] ، لما خاطبهم جعلهم كالآدميين ، ومثله : رأيتهم لي ساجدين [ يوسف : 40 ] ، وقد بينا هذا المعنى في ( الأعراف : 191 ) عند قوله تعالى : وهم يخلقون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ضعف الطالب والمطلوب " فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن الطالب : الصنم ، والمطلوب : الذباب ، رواه عطاء عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : الطالب : الذباب يطلب ما يسلبه من الطيب الذي على الصنم ، والمطلوب : الصنم يطلب الذباب منه سلب ما عليه ، روي عن ابن عباس أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : الطالب : عابد الصنم يطلب التقرب بعبادته ، والمطلوب : الصنم ، هذا معنى قول الضحاك والسدي . [ ص: 453 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ما قدروا الله حق قدره " ; أي : ما عظموه حق عظمته ; إذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له ، " إن الله لقوي " لا يقهر ، " عزيز " لا يرام .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية