الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا ) فنوى القصر الظاهر من حال المسافر أنه ينويه ( فبان مقيما ) يعني متما ولو مسافرا ( أو بمن جهل سفره ) بأن شك فيه أو لم يعلم من حاله شيئا فنوى القصر أيضا ( أتم ) ، وإن بان مسافرا قاصرا لتقصيره بشروعه مترددا فيما يسهل كشفه لظهور شعار المسافر غالبا وخرج بمقيما ما لو بان مقيما محدثا ، فإن بانت الإقامة أولا وجب الإتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما فبان حدثه أو الحدث أولا أو بانا معا فلا إذ لا قدوة باطنا لحدثه وفي الظاهر ظنه مسافرا وبه فارق ما مر في قوله أو بان إمامه محدثا ومن ثم لو اقتدى بمن ظن سفره ثم أحدث الإمام وظن مع عروض حدثه أنه نوى القصر ثم بان مقيما قصر أي ؛ لأن ظنه نية القصر عند عروض حدثه منع النظر إلى كون الصلاة خلف المحدث جماعة أما لو صحت القدوة بأن اقتدى بمن ظنه مسافرا ثم أحدث ولم يظن ذلك ثم بان مقيما ، فإنه يتم ، وإن علم حدثه أو لا [ ص: 390 ] وإنما صحت الجمعة مع تبين حدث إمامها الزائد على الأربعين اكتفاء فيها بصورة الجماعة بل حقيقتها لقولهم إن الصلاة خلفه جماعة كاملة كما مر ولم يكتف بذلك في إدراك المسبوق الركعة خلف المحدث ؛ لأن تحمله عنه رخصة والمحدث لا يصلح له فاندفع ما للإسنوي هنا .

                                                                                                                              ( تنبيه ) كلامهم المذكور في اقتدائه بمن علمه مقيما فبان حدثه مصرح بأنه نوى القصر وإلا لم يحتاجوا لقولهم لزمه الإتمام وحينئذ فيشكل انعقاد صلاته بهذه النية لأنها تلاعب لكنهم أشاروا للجواب بأن المسافر من أهل القصر بخلاف مقيم نواه وإيضاحه أنه ، وإن علم إتمام الإمام يتصور مع ذلك قصره بأن يتبين عدم انعقاد صلاته بغير نحو الحدث فيقصر حينئذ فإفادته نية القصر ولا كذلك المقيم ( ولو علمه ) أو ظنه بل كثيرا ما يريدون بالعلم ما يشمل الظن ( مسافرا وشك ) أي تردد ( في نيته ) القصر لكونه لا يوجبه فجزم هو بنية القصر ( قصر ) إذا بان قاصرا ؛ لأنه الظاهر من حاله ولا تقصير ( ولو شك فيها ) أي نية إمامه ( فقال ) معلقا عليها في نيته ( إن قصر قصرت وإلا ) يقصر ( أتممت قصر في الأصح ) إن قصر ؛ لأنه صرح بما في نفس الأمر من تعلق الحكم بصلاة إمامه ، وإن جزم فلم يضره ذلك ولو فسدت صلاة الإمام وجب الأخذ بقوله في نيته ولو فاسقا أخذا من قولهم يقبل إخباره عن فعل نفسه ، فإن جهل وجب الإتمام احتياطا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : إذ لا قدوة باطنا ) انظره مع قوله الآتي بل حقيقتها ويتأمل أيضا مع قولهم الصلاة خلف المحدث جماعة ( قوله : وبه فارق ما مر إلخ ) لا جائز أن تكون المفارقة لما مر بقوله إذ لا قدوة باطنا لحدثه لوجود الحدث هناك أيضا ، فإن كانت بقوله وفي الظاهر إلخ ورد عليه أنه هناك قد يظنه في الظاهر مسافرا ؛ لأن ذلك لا ينافي لزوم الإتمام لجواز أن يتردد مع ذلك في أنه يقصر أم يتم ثم رأيته في شرح العباب جعل كشرح الروض هذا الفرق بين هذا ومسألة أخرى حيث قال وبهذا فارق ما لو اقتدى بمن ظنه مسافرا ثم فسدت صلاته بحدث ثم بان متما حيث يتم ، وإن بان حدثه أولا ولا يشكل على ذلك ما مر من أن الصلاة خلف المحدث جماعة ومن ثم صحت الجمعة خلفه لما مر في سجود السهو من بيان معنى كونها جماعة وصحة الجمعة خلفه إنما هو لتبعها لصلاة القوم ومن ثم اشترط زيادته على الأربعين . ا هـ . ( قوله : وبه فارق إلخ ) قد يقال الفرق بين هذا وما مر بناء على ما هو ظاهر غني عن هذا ؛ لأن ما مر قد لزم فيه الإتمام قبل تبين الحدث بخلاف هذا فليتأمل ( قوله : بمن ظن سفره ثم أحدث ) وبالأولى إذا كان محدثا فتأمله ( قوله : وظن مع عروض حدثه إلخ ) بهذا تفارق هذه المسألة ما مر قريبا عن شرح العباب وهو ما ذكره هنا بقوله أما إلخ ( قوله : مع النظر إلى كون الصلاة خلف المحدث جماعة ) لا شك أن انعقاد الاقتداء به سبق الحدث لأن الفرض طروه وهو اقتداء بمقيم فلا بد أن يقال أيضا إن ظن السفر أولا مع ظن نيته القصر عند عروض الحدث ألغى النظر لانعقاد الاقتداء السابق ( قوله : ولم يظن ذلك ) أي مع عروض [ ص: 390 ] حدثه إلخ ش .

                                                                                                                              ( فرع ) الأوجه أن كل من لزمته الإعادة إذا صلاها تامة جاز له القصر إذا أعادها سواء في ذلك فاقد الطهورين ، وإن قلنا أن ما فعله حقيقة صلاة وغيره شرح م ر ولو صلى تامة ثم أراد إعادتها مع جماعة فينبغي امتناع قصرها م ر .

                                                                                                                              ( قوله : تنبيه : كلامهم المذكور إلخ ) أي السابق في قوله كما لو اقتدى إلخ وهذا التنبيه صريح في انعقاد صلاته مع العلم بالحال ولما قال في العباب ويصح إحرام مسافر يتم بمتم بنية القصر قال الشارح في شرحه ، وإن نواه مع علمه بإتمام إمامه على ما اقتضاه إطلاقهم وفيه ما فيه ثم رأيته صرح به في المجموع فقال متى علم أو ظن أن إمامه مقيم لزمه الإتمام فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر باتفاق الأصحاب . ا هـ .

                                                                                                                              والأذرعي قال : إن هذا مشكل جدا ؛ لأنه متلاعب فالقياس عدم انعقادها وتبعه الزركشي ثم أجاب إلى آخر ما أطال به عنه وما يتعلق به . ا هـ . نعم نقل أن شيخنا الشهاب الرملي أفتى بعدم الانعقاد عند العلم بالحال لتلاعبه .

                                                                                                                              ( قوله : يتصور مع ذلك قصره إلخ ) فيه نظر ، فإن أقل أموره إذا علم إتمام الإمام يتردد في أنه يقصر أو يتم وذلك يوجب الإتمام فليتأمل جدا ( قوله : يتصور إلخ ) قد يقال ما مر من قول شرح المهذب ولغت نية القصر يدل على عدم تعويلهم على ذلك ( قوله : في المتن أو شك ) خرج ما لو لم يشك كأن كان الإمام حنفيا في دون ثلاث مراحل ، فإنه يتم لامتناع القصر عنده في هذه المسافة ويتجه كما قاله الإسنوي أن يلحق به ما إذا أخبر الإمام قبل إحرامه بأن عزمه الإتمام شرح م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : فنوى القصر ) إلى قوله وبه فارق في المغني إلا قوله أو لم يعلم من حاله شيئا وقوله كما لو اقتدى بمن علمه مقيما ( قوله : أو لم يعلم من حاله شيئا ) كان المراد أنه ذاهل عند النية عن حالة الإمام ولم يخطر بباله لكنه نوى القصر اعتباطا رشيدي قول المتن ( مقيما ) أي فقط مغني ( قوله : لتقصيره إلخ ) هذا لا يظهر بالنسبة لقوله يعني متما ولو مسافرا ( قوله : شعار المسافر غالبا ) أي ، والأصل الإتمام نهاية ومغني ( قوله : أو الحدث إلخ ) عطف على الإقامة ( قوله : أو بانا معا ) أي كأن يقول له واحد : إمامك مقيم وآخر إمامك كان محدثا مع الإخبار الأول بجيرمي ( قوله : إذ لا قدوة باطنا ) انظره مع قوله الآتي بل حقيقتها ويتأمل أيضا مع قولهم الصلاة خلف المحدث جماعة سم عبارة الرشيدي قوله م ر باطنا الأولى بل الصواب إسقاطه ا هـ ( قوله : وبه فارق ما مر إلخ ) أي بقوله وفي الظاهر إلخ ، وأما الجزء الأول من العلة فمشترك بينهما شيخنا . ا هـ . بجيرمي وهنا لسم ما يظهر منعه بأدنى تأمل ( قوله : ومن ثم ) أي لأجل الفرق بما ذكر ومدخلية الظن في جواز القصر ( قوله : ثم أحدث الإمام ) وبالأولى إذا بان محدثا فتأمله سم ( قوله : وظن مع عروض حدثه إلخ ) سيذكر محترزه بقوله أما لو صحت القدوة إلخ سم ( قوله : منع النظر إلخ ) محل تأمل ( قوله : ثم أحدث ) أي الإمام ع ش ( قوله : ولم يظن ذلك ) أي لم يظن مع عروض حدثه أنه نوى القصر ش .

                                                                                                                              ( فرع ) الأوجه أن كل من لزمته الإعادة إذا صلاها تامة جاز له القصر إذا أعادها سواء في ذلك فاقد الطهورين ، وإن قلنا إن ما فعله حقيقة صلاة وغيره شرح م ر ولو صلى تامة ثم أراد إعادتها مع جماعة فينبغي امتناع قصرها م ر . ا هـ . سم واعتمده شيخنا وخالف المغني فقال وفاقا للأذرعي بعدم جواز القصر في الإعادة الواجبة المسبوقة بفعلها تامة مطلقا .

                                                                                                                              ( قوله : وإن علم إلخ ) [ ص: 390 ] الواو حالية ( قوله : وإنما صحت الجمعة إلخ ) جواب سؤال منشؤه قوله السابق إذ لا قدوة باطنا لحدثه ( قوله : بل حقيقتها ) أي بوجود حقيقتها ع ش ( قوله : لا يصلح له ) أي للتحمل ( قوله : تنبيه كلامهم المذكور إلخ ) أي السابق في قوله كما لو اقتدى إلخ وهذا التنبيه صريح في انعقاد صلاته مع العلم بالحال قال الشارح في شرح العباب هذا ما اقتضاه إطلاقهم ثم رأيته صرح به في المجموع نقلا عن اتفاق الأصحاب والأذرعي قال إن هذا مشكل جدا ؛ لأنه متلاعب فالقياس عدم انعقادها وتبعه الزركشي ثم أجاب الشارح عنه وأطال به نعم نقل أن شيخنا الشهاب الرملي أفتى بعدم الانعقاد عند العلم بالحال لتلاعبه سم وكلام المغني كالصريح في الانعقاد عند العلم وقال ع ش وهو المعتمد . ا هـ . أي الانعقاد ( قوله : وإيضاحه ) أي الجواب ( قوله : يتصور مع ذلك إلخ ) فيه نظر ، فإن أقل أموره إذا علم إتمام الإمام يتردد في أنه يقصر أو يتم وذلك يوجب الإتمام فليتأمل جدا سم ( قوله : أو ظنه ) إلى قوله ويرد في المغني إلا قوله قيل وإلى قول المتن ، والقصر أفضل في النهاية إلا قوله يأتي إلى المتن وقوله وكذا لو صار إلى المتن .

                                                                                                                              قول المتن ( وشك في نيته ) احترز به عما لو علمه مسافرا ولم يشك كأن كان الإمام حنفيا في دون ثلاث مراحل ، فإنه يتم لامتناع القصر عنده في هذه المسافة ويتجه كما قاله الإسنوي أن يلحق به ما إذا أخبر الإمام قبل إحرامه بأن عزمه الإتمام مغني ونهاية وأقره سم قال ع ش قوله م ر ويتجه إلخ أي فيجب على المأموم الإتمام ، وإن قصر إمامه ؛ لأن صلاته تنعقد تامة لظنه إتمام إمامه . ا هـ . ( قوله : لكونه لا يوجبه إلخ ) أي لكونه غير خفي ع ش ( قوله : إذا بان قاصرا ) أي ، فإن بان أنه متم أو لم يظهر حاله أتم نهاية ومغني ( قوله : إن قصر ) أي ، فإن بان متما أتم نهاية ومغني ( قوله : من تعلق الحكم ) بيان لما في نفس الأمر ( وقوله : وإن جزم ) أي المأموم بنية القصر غاية لذلك البيان ( قوله : ذلك ) أي التعليق ( قوله : ولو فسدت ) وقوله ، فإن جهل كل منهما راجع لكل من المسألتين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية