الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إسلام حمزة رحمه الله [ أذاة أبي جهل للرسول صلى الله عليه وسلم ، ووقوف حمزة على ذلك ]

            قال ابن إسحاق : حدثني رجل من أسلم ، كان واعية : أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا ، فآذاه وشتمه ، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه ، والتضعيف لأمره ؛ فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومولاة لعبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة ، فجلس معهم .

            فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه ، راجعا من قنص له ، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له ، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم ، وكان أعز فتى في قريش ، وأشد شكيمة . فلما مر بالمولاة ، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، قالت له : يا أبا عمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام : وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه ، وبلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم . [ إيقاع حمزة بأبي جهل وإسلامه ]

            فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد ، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ؛ فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم ، فأقبل نحوه ، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ، ثم قال : أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد ذلك علي إن استطعت . فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ؛ فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا ، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه ، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله . فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . قال ابن إسحاق : ثم رجع حمزة إلى بيته ، فأتاه الشيطان ، فقال : أنت سيد قريش ، اتبعت هذا الصابئ ، وتركت دين آبائك ، للموت خير لك مما صنعت . فأقبل على حمزة بثه ، وقال : ما صنعت ! اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي ، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا . فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان ، حتى أصبح فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا بن أخي ، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه ، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد هو أم غي ، شديد ، فحدثني حديثا فقد اشتهيت يا بن أخي أن تحدثني . فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره ووعظه ، وخوفه وبشره ، فألقى الله في قلبه الإيمان بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : أشهد أنك الصادق شهادة الصدق ، فأظهر يا بن أخي دينك ، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الأول . فكان حمزة ممن أعز الله به الدين . وهكذا رواه البيهقي وقال حمزة حين أسلم :


            حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام والدين الحنيف     لدين جاء من رب عزيز
            خبير بالعباد بهم لطيف     إذا تليت رسائله علينا
            تحدر دمع ذي اللب الحصيف     رسائل جاء أحمد من هداها
            بآيات مبينة الحروف     وأحمد مصطفى فينا مطاع
            فلا تغشوه بالقول الضعيف     فلا والله نسلمه لقوم
            ولما نقض فيهم بالسيوف     ونترك منهم قتلى بقاع
            عليها الطير كالورد العكوف     وقد خبرت ما صنعت ثقيف
            به فجزى القبائل من ثقيف     إله الناس شر جزاء قوم
            ولا أسقاهم صوب الخريف

            التالي السابق


            الخدمات العلمية