الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا

                                                                                                                                                                                                                                        والسماء ذات الرجع فيه أربعة أقاويل : أحدها : ذات المطر ، لأنه يرجع في كل عام ، قاله ابن عباس . الثاني ذات السحاب ، لأنه يرجع بالمطر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ذات الرجوع إلى ما كانت ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : ذات النجوم الراجعة ، قاله ابن زيد . ويحتمل خامسا : ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد ، وهذا قسم .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 249 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والأرض ذات الصدع فيها أربعة أقاويل : أحدها : ذات النبات لانصداع الأرض عنه ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ذات الأودية ، لأن الأرض قد انصدعت بها ، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ذات الطرق التي تصدعها المشاة ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : ذات الحرث لأنه يصدعها . ويحتمل خامسا : ذات الأموات ، لانصداعها عنهم للنشور وهذان قسمان : إنه لقول فصل على هذا وقع القسم ، وفي المراد بأنه قول فصل قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ما قدمه عن الوعيد من قوله تعالى : إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر الآية . تحقيقا لوعيده ، فعلى هذا في تأويل قوله (فصل) وجهان : أحدها : حد ، قاله ابن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : عدل ، قاله الضحاك . القول : إن المراد بالفصل القرآن تصديقا لكتابه ، فعلى هذا في تأويل قوله (فصل) وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : حق ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما رواه الحارث عن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كتاب الله فيه خير ما قبلكم ، وحكم ما بعدكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) . وما هو بالهزل وهذا تمام ما وقع عليه القسم ، وفيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : باللعب ، قاله ابن عباس ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بالباطل ، قاله وكيع والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : بالكذب ، قاله السدي . إنهم يكيدون كيدا يعني أهل مكة حين اجتمعوا في دار الندوة على المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك فقال ها هنا : إنهم يكيدون كيدا أي يمكرون مكرا .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 250 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وأكيد كيدا يعني بالانتقام في الآخرة بالنار ، وفي الدنيا بالسيف . فمهل الكافرين أمهلهم رويدا فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : قريبا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : انتظارا ، ومنه قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        رويدك حتى تنطوي ثم تنجلي عماية هذا العارض المتألق



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : قليلا ، قاله قتادة . قال الضحاك : فقتلوا يوم بدر . وفي (مهل (وأمهل) وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : معناهما مختلف ، فمهل الكف عنهم ، وأمهل انتظار العذاب لهم .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية