الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ( 103 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني ب " الذين كفروا " في هذا الموضع ، والمراد بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " .

فقال بعضهم : المعني ب " الذين كفروا " اليهود ، وب " الذين لا يعقلون " أهل الأوثان . [ ص: 135 ]

ذكر من قال ذلك :

12845 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " قال : أهل الكتاب " وأكثرهم لا يعقلون " قال : أهل الأوثان .

وقال آخرون : بل هم أهل ملة واحدة ، ولكن " المفترين " المتبوعون و " الذين لا يعقلون " الأتباع .

ذكر من قال ذلك :

12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا خارجة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي في قوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " هم الأتباع وأما " الذين افتروا " فعقلوا أنهم افتروا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن المعنيين بقوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " الذين بحروا البحائر ، وسيبوا السوائب ، ووصلوا الوصائل ، وحموا الحوامي ، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سن لأهل الشرك السنن الرديئة ، وغير دين الله دين الحق ، وأضافوا إلى الله - تعالى ذكره - : أنه هو الذي حرم ما حرموا ، وأحل ما أحلوا ، افتراء على الله الكذب وهم يعلمون ، واختلاقا عليه الإفك وهم يفهمون ، فكذبهم الله - تعالى ذكره - في [ ص: 136 ] قيلهم ذلك ، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا ، فقال - تعالى ذكره - : ما جعلت من بحيرة ولا سائبة ، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك ، ويفترون على الله الكذب .

وأن يقال : إن المعنيين بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " هم أتباع من سن لهم هذه السنن من جهلة المشركين ، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين سنوا ذلك لهم ، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون ، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله ، كذبة في إخبارهم ، أفكة ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقون ، وفي إخبارهم صادقون . وإنما معنى الكلام : وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله - تعالى ذكره - كذب وباطل . وهذا القول الذي قلنا في ذلك ، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبل . ولا معنى لقول من قال : " عني بالذي كفروا أهل الكتاب " وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله - تعالى ذكره - على مشركي العرب ، فالختم بهم أولى من غيرهم ، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلى غيرهم .

وبنحو ذلك كان يقول قتادة :

12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " يقول : تحريم الشيطان الذي حرم عليهم ، إنما كان من الشيطان ، ولا يعقلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية