الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1759 [ 928 ] وعن عبد الله بن مسعود : لما كان يوم حنين آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك . وأعطى أناسا من أشراف العرب . وآثرهم يومئذ في القسمة ، فقال رجل : إن هذه لقسمة ما عدل فيها ، وما أريد فيها وجه الله . قال: فقلت : والله لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فأتيته فأخبرته بما قال ، فتغير وجهه حتى كان كالصرف قال : ( فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله ؟ " ثم قال : (يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) .

                                                                                              رواه أحمد (1 \ 411)، والبخاري (6336)، ومسلم (1062) .

                                                                                              [ ص: 107 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 107 ] وقول القائل : في قسمة النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، أو : ما عدل فيها " ; قول جاهل بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، غليظ الطبع ، حريص ، شره ، منافق . وكان حقه أن يقتل ; لأنه آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال الله تعالى : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم والعذاب في الدنيا هو : القتل ، لكن لم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - للمعنى الذي قاله ، وهو من حديث جابر : (لا يتحدث الناس : أن محمدا يقتل أصحابه) ، ولهذه العلة امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين ، مع علمه بأعيان كثير منهم ، وبنفاقهم . ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى ; لأن حديث جابر وغيره نص في تلك العلة ، وقد أمنت تلك العلة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا نفاق بعده ، وإنما هو الزندقة ، كذلك قال مالك - رحمه الله - ، فمن آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو سبه قتل ولا يستتاب ، وهذا هو الحق والصواب .

                                                                                              واختلف في هذا العطاء الذي أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المؤلفة قلوبهم .

                                                                                              هل كان من الخمس ؟ أو كان من صلب الغنيمة ؟
                                                                                              والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس ، ومنه أكثر عطاياه - صلى الله عليه وسلم - . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم) .

                                                                                              والظاهر من مراجعة الأنصار ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير ، وترجعون برسول الله إلى رحالكم) ; أنه كان من صلب الغنيمة ، وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه بذلك ، ولطيب قلوبهم به ، أو يكون هذا مخصوصا بتلك الواقعة ، وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب .

                                                                                              والأصل : التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              [ ص: 108 ] وقوله : " فتغير وجهه حتى صار كالصرف " - هو بكسر الصاد ، وهو صبغ أحمر تصبغ به الجلود ، وقد يسمى الدم : صرفا ، قاله ابن دريد .




                                                                                              الخدمات العلمية