الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو تزوج ذمي ذمية بخمر أو خنزير عين فأسلما أو أسلم أحدهما لها الخمر والخنزير وفي غير العين لها قيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير ) بيان لما إذا سميا ما هو مال عندهم وليس بمال عندنا وحاصله أن التسمية صحيحة ولها المسمى فإن قبضته صح وإن لم تقبضه حتى أسلما أو أسلم أحدهما فهو على وجهين إما أن يكون ذلك المسمى معينا أو غير معين وإن كان معينا فليس لها إلا هو قيميا كان أو مثليا وإن كان غير معين فلها القيمة في المثلي ومهر المثل في القيمي ، وهذا كله عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لها مهر المثل في الوجهين وقال محمد لها القيمة في الوجهين وجه قولهما إن القبض مؤكد للملك في المقبوض فيكون له شبه بالعقد فيمتنع بسبب الإسلام كالعقد وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما

                                                                                        وأما إذا التحقت حالة القبض بحالة العقد فأبو يوسف يقول لو كانا مسلمين وقت العقد يجب مهر المثل فكذا هنا ومحمد يقول صحت التسمية لكون المسمى مالا عندهم إلا أنه امتنع التسليم للإسلام فيجب القيمة كما إذا هلك العبد المسمى قبل القبض ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد ولهذا يملك التصرف فيه وبالقبض ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها وذلك لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب وفي غير المعين القبض موجب ملك العين فيمتنع بالإسلام بخلاف المشتري ; لأن ملك [ ص: 202 ] التصرف إنما يستفاد فيه بالقبض وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في الخنزير ; لأنه من ذوات القيم فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه ولا كذلك الخمر ; لأنه من ذوات الأمثال ، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر على القبول في الخنزير يردون الخمر ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة ومن أوجب القيمة أوجب نصفها وفي الغاية ويرد على هذا ما لو اشترى ذمي دارا من ذمي بخمر أو خنزير وشفيعها مسلم يأخذ بالشفعة بقيمة الخمر والخنزير فلم تجعل قيمة الخنزير كعينه ولم يجب عنه بشيء وأجاب عنه في التبيين أن قيمة الخنزير إنما تكون كعينه أن لو كان بدلا عن الخنزير كما في مسألة النكاح أما لو كان بدلا عن غيره فلا وفي مسألة الشفعة قيمة الخنزير بدل عن الدار المشفوعة ، وإنما صير إليها للتقدير بها لا غير ، فلا يكون لها حكم عينه وأفاد بقوله لها في المعين المسمى أنه لو كان طلقها قبل الدخول فإن لها نصفه والله تعالى أعلم .

                                                                                        [ ص: 202 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 202 ] ( قوله وفي مسألة الشفعة إلخ ) قال في الحواشي السعدية ولك أن تقول كذلك فيما نحن فيه بدل عن البضع ، وإنما صير إليه للتقدير بها فليتأمل فجوابه يظهر من تقرير قاضي خان في شرح الجامع الصغير قال في النهر وأقول : لا نسلم أنها هنا بدل عن منافع البضع إذ منافعه إنما قوبلت بالخنزير وبالإسلام تعذر أخذ القيمة لما مر فصير إلى مهر المثل . ا هـ .

                                                                                        قلت : والذي قرره قاضي خان هو قوله ولأن قيمة الخنزير لها حكم عين الخنزير ولهذا لو أتاها بقيمة الخنزير قبل الإسلام أجبرت على القبول فكان وجوب قيمة الخنزير من موجبات تلك التسمية والإسلام يقرر حكم التسمية فإنما يستوفى بعد الإسلام ما ليس من موجبات تلك التسمية وهو مهر المثل أما قيمة الخمر ليست من موجباتها فتستوفى بعد الإسلام ا هـ .

                                                                                        والذي يظهر من هذا التقرير أن الجواب يؤخذ من قوله إن قيمة الخنزير لها حكم عينه وإنها من موجبات التسمية ففيه منع لكون المصير إليها للتقدير بخلاف مسألة الشفعة فإن القيمة فيها ليست من موجبات التسمية وحينئذ فمناط الفرق هذا تأمل وعليك بالتأمل في جواب النهر ويمكن أن يكون هذا مراده وارجع إلى ما مر في باب العاشر آخر الزكاة عند قوله عشر الخمر لا الخنزير .




                                                                                        الخدمات العلمية