الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وكره تحريما بالإجماع كما قاله الماوردي وغيره تنفل من أحد الحاضرين بعد صعود الخطيب على المنبر وجلوسه عليه كما في المجموع وإن لم يسمع الخطبة بالكلية لاشتغاله بصورة عبادة ، ومن ثم فارقت الصلاة الكلام بأن الاشتغال به لا يعد إعراضا عنه بالكلية ، وأيضا فمن شأن المصلي الإعراض عما سوى صلاته بخلاف المتكلم ، وأيضا فقطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة ، بخلاف الصلاة فإنه قد يفوته بها سماع أول الخطبة بل لو أمن فوات ذلك كان ممتنعا أيضا خلافا لما في الغرر البهية . وقد يؤخذ من ذلك أن الطواف ليس كالصلاة هنا ، ويمنع من سجدة التلاوة والشكر كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وشمله كلامهم وإن كان كل منهما ليس صلاة وإنما هو ملحق بها ، ويجب على من كان في صلاة تخفيفها عند صعود الخطيب المنبر وجلوسه كما قاله الشيخ نصر ، واعتمده غيره فالإطالة كالإنشاء ، ومتى حرمت الصلاة ، فالأوجه كما في التدريب عدم انعقادها كالصلاة في الأوقات الخمسة المكروهة بل أولى ، بل قضية إطلاقهم ومنعهم من الراتبة مع قياس سببها أنه لو تذكرها فرضا لا يأتي وإن كان وقته مضيقا وأنه لو أتى به لم ينعقد ، وهو كذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            وتعبير جماعة بالنافلة جرى على الغالب ، ويستثنى التحية لداخل المسجد والخطيب على المنبر فيسن له فعلها [ ص: 322 ] ويخففها وجوبا لخبر مسلم { جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس ، فقال : يا سليك : قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما } هذا إن صلى سنة الجمعة ، وإلا صلاها مخففة وحصلت التحية ، ولا يزيد على ركعتين بكل حال فإن لم تحصل تحية كأن كان في غير مسجد لم يصل شيئا أخذا مما مر . أما الداخل آخر الخطبة ، فإن غلب على ظنه أنه إن صلاها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل التحية بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لئلا يجلس في المسجد قبل التحية . قال ابن الرفعة : ولو صلاها في هذه الحالة استحب للإمام أن يزيد في كلام الخطبة بقدر ما يكملها . قال الشيخ : وما قاله نص عليه في الأم ، والمراد بالتخفيف فيما ذكر الاقتصار على الواجبات ، قاله الزركشي لا الإسراع . قال : ويدل له ما ذكروه أنه إذا ضاق الوقت وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات ا هـ . وفيه نظر ، والفرق بينه وبين ما استدل به واضح ، وحينئذ فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفا ( قلت : [ ص: 323 ] الأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط والله أعلم ) لأن المقصود حاصل بدونه ، ولم يرد نص في اشتراط الترتيب ، وقد نص على ذلك في الأم والمبسوط ، وجزم به أكثر العراقيين بل هو سنة فقط .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وكره تحريما إلخ ) أي ويستمر ذلك إلى فراغ الخطبة وتوابعها كما تقدم عن سم أن الشارح ذهب إليه ، وفي كلام حج ما يصرح به حيث قال بعد قول المصنف : ويسن الإنصات ويحرم إجماعا صلاة فرض أو نفل ولو في حال الدعاء للسلطان ا هـ . وما نقله سم على حج فيما تقدم في التوابع لعله في غير شرح المنهاج . ( قوله : بعد صعود الخطيب ) أما بعد الصعود وقبل الجلوس فلا يحرم ( قوله : بأن الاشتغال به ) أي الكلام وإن طال ( قوله : الغرر البهية ) مراده شرح البهجة الكبير ( قوله : عند صعود الخطيب المنبر وجلوسه ) قاله سم على منهج ( قوله : وإن كان وقته مضيقا ) أي فلا يفعله وإن خرج من المسجد وعاد إليه بسبب فعله فيما يظهر أخذا مما قالوه فيما لو دخل المسجد في الأوقات المكروهة يقصد التحية ( قوله : فيسن له فعلها ) أي سواء في ذلك سنة الجمعة وغيرها كفائتة حيث لم تزد على ركعتين .

                                                                                                                            [ فرع ] من دخل والإمام يخطب صلى ركعتين م ر ثم مرة أخرى . قال : لو كان محل الخطبة غير المسجد لا صلاة ، وحاصله أنه قال : إذا دخل حال الخطبة . فإن كان المكان مسجدا صلى التحية أو ركعتين راتبة أو نحو فائتة وإن لم يكن مسجدا جلس ولا صلاة مطلقا ا هـ فليراجع . وفي شرح المنهاج لشيخنا منع ركعتين غير الراتبة والسكوت في غير المسجد فليحرر ا هـ سم على منهج وفيه : لكن لو أحرم بأربع قضاء قبل الجلوس ثم جلس وقد [ ص: 322 ] بقي ثلاث ركعات هل تستمر صحتها ويجب التخفيف ، أو تبطل لأن الإتمام بعد الجلوس بمنزلة الإنشاء بدليل حرمة التطويل ، ولا يجوز بعد الجلوس إنشاء أكثر من ركعتين فليحرر ا هـ . أقول : والظاهر الاستمرار سيما إذا أحرم على ظن سعة الوقت لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء . وأما لو كان جالسا بالمسجد وعلم بقرب جلوس الخطيب على المنبر كأن كان بعد قراءة المقرئ الآية فأحرم بركعتين فهل تنعقد صلاته ويكملهما بعد جلوس الخطيب ويخفف فيهما كما لو دخل والإمام يخطب أم لا ، لأن شروعه في تلك الحالة يعد به مقصرا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، لأنه حال شروعه لم يكن متهيئا لشيء يسمعه فيعد معرضا عنه باشتغاله بالصلاة .

                                                                                                                            ( قوله : قم فاركع ) وإنما أمره بذلك لأنه جلس جاهلا بطلب التحية منه فلم تفت بذلك ( قوله : هذا إن صلى سنة الجمعة ) ومر قريبا عن سم أن مثل سنة الجمعة الفائتة إذا كانت ركعتين كالصبح ، ولا ينافي ما مر قريبا من امتناع الفائتة لأنه مفروض فيمن تذكر بعد الجلوس وأراد فعلها ( قوله : ولا يزيد على ركعتين بكل حال ) أي حيث علم بالزيادة . أما لو شك هل صلى ركعتين أو واحدة سن له ركعة لأن الأصل عدم الفعل ( قوله فإن لم تحصل تحية ) شمل ما لو نوى سنة الصبح مثلا أو ركعتين ولم ينو أنهما تحية لما قدمه في صفة الصلاة من أنه لو أتى بركعتين ولم ينو بهما التحية كانت نفلا مطلقا حصل به مقصود التحية ، لكن قال حج : وصلاة ركعتين بنية التحية وهو الأولى " أو راتبة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها ، وحينئذ الأولى نية التحية معها ، فإن أراد الاقتصار فالأولى فيما يظهر نية التحية لأنها تفوت بفواتها بالكلية إذا لم ينو ، بخلاف الراتبة القبلية للداخل ، فإن نوى أكثر منهما أو صلاة أخرى بقدرهما لم تنعقد . فإن قيل يلزم على ما تقرر أن نية ركعتين فقط جائزة ، بخلاف نية ركعتين سنة الصبح مثلا مع استوائهما في حصول التحية بها بالمعنى السابق في بابها . قلت : يفرق بأن نية ركعتين فقط ليس فيه صرف عن التحية بالنية بخلاف نية سبب آخر ، فأبيح الأول دون الثاني ، ويلزمه أن يقتصر فيهما على أقل مجزئ على ما قاله جمع ، وبينت ما فيه في شرح العباب ، لكن عدم انعقاد سنة الصبح بنيتها مشكل على نية الفائتة ، فإن وصفها بكونها فائتة يفوت التعرض للتحية .

                                                                                                                            ( قوله : كأن كان في غير مسجد ) شمل ما لو تطهر في غير المسجد وأراد فعل الركعتين خارج المسجد فلا تنعقد ، وعبارة حج : ويحرم على من لم تسن له التحية كما هو ظاهر وإن لم يستمع ولو لم تلزمه الجمعة وإن كان بغير محلها وقد نواها معهم بمحله وإن حال مانع الاقتداء الآن فيما يظهر إلخ . وقضية قوله وقد نواها معهم بمحله إلخ أنه لو بعد عن المسجد وتطهر لا يحرم عليه فعلها في موضع طهارته حيث قصد فعلها في غير محل الطهارة فتنبه له فإنه دقيق ( قوله : لم يصل التحية ) أي ندبا ( قوله : ترك التطويل عرفا ) أي فله أن يأتي بسورة قصيرة بعد [ ص: 323 ] الفاتحة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 320 - 321 ] ( قوله : كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وشمله كلامهم ) أي حيث عبروا بالتنفل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية