الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1645 - مسألة : والصدقة للتطوع على الغني جائزة وعلى الفقير ، ولا تحل لأحد من بني هاشم ، والمطلب ابني عبد مناف ، ولا لمواليهم ، حاش " الحبس " فهو حلال لهم ، ولا تحل صدقة التطوع على من أمه منهم إذا لم يكن أبوه منهم .

                                                                                                                                                                                          وأما الهبة ، والهدية ، والعطية ، والإباحة ، والمنحة ، والعمرى ، والرقبى : فكل ذلك حلال لبني هاشم ، والمطلب ومواليهم - هذا كله لا خلاف فيه حاش دخول بني المطلب فيهم ، وحاش دخول الموالي فيهم ، وحاش جواز صدقة التطوع لهم ، فإن قوما أجازوها لهم .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا الحكم - هو ابن عتيبة - عن ابن أبي رافع - هو عبيد الله - عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة فأراد أبو رافع أن يتبعه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم منهم } .

                                                                                                                                                                                          فهذا عموم لكل صدقة . ومن طريق أبي داود نا مسدد نا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه } .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : قد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل معروف صدقة } فإن أخذتم بظاهر هذا الخبر فامنعوهم من كل بر - وهذا ما لا يقوله أحد ولا أنتم ، وإلا فلا تمنعوهم إلا ما اتفق عليه : أنه لا يحل لهم وهو صدقة الفرض فقط . قلنا : قوله عليه الصلاة والسلام : { كل معروف صدقة } قد خصه عطاؤه لبني هاشم ، [ ص: 125 ] كالبعير الذي أعطى عليا من النفل من الخمس ، ومن المغنم ، وسائر هباته عليه الصلاة والسلام لهم ، فوجب خروج ذلك بدليله .

                                                                                                                                                                                          ووجدنا كل معروف وإن كان يقع عليه اسم صدقة فله اسم آخر يخصه : كالقرض ، والهبة ، والهدية ، والإباحة ، والحمالة ، والضيافة ، والمنحة ، وسائر أسماء وجوه البر . ووجدنا الصدقة التطوع ليس لها اسم غير " الصدقة " وقد صح أن الصدقة محرمة على آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومواليهم ، فوجب ضرورة أن تكون الصدقة التطوع حراما عليهم ; لأنها هي الصدقة التي لا اسم لها غير " الصدقة " ولا خلاف في تحريم الصدقة المفروضة عليهم وهي الزكاة .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فقد رويتم من طريق أبي داود نا محمد بن عبيد المحاربي نا محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال { : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إبل أعطاه إياها من الصدقة } .

                                                                                                                                                                                          قلنا : هذا صحيح ، ولا يخلو من أحد وجهين - : أحدهما - وهو ظاهر الخبر أن ابن عباس هو المعطي لتلك الإبل من صدقة لازمة له ، فبعثه عليه الصلاة والسلام فيها إلى حيث يجمع إبل الصدقة .

                                                                                                                                                                                          والثاني - أنه حتى لو صح أنه عليه الصلاة والسلام هو أعطى تلك الإبل لابن عباس - وليس ذلك في الخبر - لكان ذلك منسوخا بتحريم الصدقة عليهم ; لأن تحريم الصدقة عليهم هو الرافع المعهود الأصل وللحال الأول بلا شك من إباحة الصدقة لهم كسائر الناس ، ومن ادعى عود المنسوخ ناسخا فقد كذب إلا أن يشهد له نص بين بذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما الغني : فقد روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عدي بن الخيار { أن رجلين حدثاه أنهما سألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقة فقال : إن شئتما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب } .

                                                                                                                                                                                          قلنا : هذا الخبر وكل ما جاء بهذا اللفظ فإنما هو على " الصدقة المفروضة " التي حرمت على الأغنياء إلا من خصه النص منهم : من { والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } فقط . [ ص: 126 ] برهان ذلك - ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني عمران بن بكار حدثني علي بن عياش نا شعيب - هو ابن أبي حمزة - حدثني أبو الزناد حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر حديثا فيه { قال رجل : لأتصدقن بصدقة ، فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال : اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني ، فقال : اللهم لك الحمد على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد تقبلت } - وذكر الخبر .

                                                                                                                                                                                          فهذا بيان في جواز الصدقة على الغني ، والصالح ، والطالح .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية