الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله ) قيل : هو أخو الأخياف لأنس بن مالك ( بن أبي طلحة ) قيل : اسمه زيد بن سهل ( أنه ) أي إسحاق ( سمع أنس بن مالك يقول : إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال العسقلاني : لم أقف على اسمه ، لكن في رواية ثمامة عن أنس أنه كان غلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظه أن مولى خياطا دعاه ( لطعام صنعه فقال ) وفي نسخة قال : أي إسحاق ، فقال : ( أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام ) يعني بطلب مخصوص أو تبعا له لكونه خادما له صلى الله عليه وسلم ( فقرب ) بتشديد الراء المفتوحة أي فقدم الخياط ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا ) بفتحتين ( فيه دباء ) بضم دال ، وتشديد موحدة وبالمد ويقصر ، القرع، الواحدة : دباءة ( وقديد ) أي لحم مملوح مجفف في الشمس أو غيرها ، فعيل بمعنى مفعول ، والقد القطع طولا كالشق كذا في النهاية ، وفي السنن عن رجل ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : أملح لحمها ، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة ( قال أنس : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع ) أي يتطلب ( الدباء حوالي القصعة ) [ ص: 256 ] وفي المتفق عليه من حوالي القصعة ، وهو بفتح اللام وسكون الياء ، وإنما كسر هنا لالتقاء الساكنين ، وهو مفرد اللفظ مجموع المعنى ، أي جوانبها ، أما بالنسبة لجانبه دون جانب البقية أو مطلقا ، ولا يعارضه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ; لأنه للقذر والإيذاء وهو منتف فيه صلى الله عليه وسلم ; لأنهم كانوا يودون ذلك منه لتبركهم بآثاره صلى الله عليه وسلم حتى نحو بصاقه ومخاطه ، يدلكون بها وجوههم ، وقد شرب بعضهم بوله ، وبعضهم دمه ، وجاء في رواية أخرى عن أنس أنه قال : فلما رأيت ذلك جعلت أتتبعه إليه ولا أطعمه ، وفيه دليل على أن الطعام إذا كان مختلفا يجوز أن يمد الآكل يده إلى ما لا يليه ، إذا لم يعرف من صاحبه كراهة ، ويقال : رأيت الناس حوله وحوليه ، وحواليه واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها ، ويقال : حوالي الدار ، قيل : كأنه في الأصل حوالين ، كقولك : جانبين فسقطت النون ، للإضافة والصحيح هو الأول ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، ثم القصعة بفتح القاف هي التي يأكل منها عشرة أنفس ، كذا في مهذب الأسماء ، وفي بعض النسخ حوالي الصحفة وهي التي يأكل منها خمسة أنفس على ما في المهذب ، والصحاح وغيرهما ، وأغرب ابن حجر وقال : هي تسع ضعفي ما تسع القصعة ، وقيل : هما بمعنى واحد ( فلم أزل أحب الدباء ) أي محبة شرعية لا طبيعية ، أو المراد أحبها محبة زائدة ( من يومئذ ) بكسر الميم على أنه معرب مجرور بمن ، وفي نسخة بفتحها ، على اكتساب البناء من المضاف إليه ، وروي بعد يومئذ فقيل : يجوز أن لا يكون بعد مضافا إلى ما بعده ، بل مقطوعا عن الإضافة ، فحينئذ يومئذ بيان للمضاف إليه المحذوف ، وأن يكون مضافا إليه ، فيجوز الوجهان ، كما قرئ بهما في قوله تعالى : من عذاب يومئذ في السبعة وفي الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره ، وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم ، وبيان ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع واللطف بأصحابه ، وتعاهدهم بالمجيء إلى منازلهم ، وفيه الإجابة إلى الطعام ، ولو كان قليلا ، ذكره العسقلاني ، وأنه يسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا كل شيء كان يحبه ذكره النووي ، وأن كسب الخياط ليس بدنيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية