الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي حنيفة ) معناه عند عدم العصبات ، وهذا استحسان ، وقال محمد : لا تثبت وهو القياس ، وهو رواية عن أبي حنيفة ، [ ص: 286 ] وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب والأشهر أنه مع محمد . لهما ما روينا ، ولأن الولاية إنما ثبتت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها وإلى العصبات الصيانة . ولأبي حنيفة أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة ( ومن لا ولي لها ) يعني العصبة من جهة القرابة ( إذا زوجها مولاها الذي أعتقها ) ( [ ص: 287 ] جاز ) لأنه آخر العصبات ، وإذا عدم الأولياء فالولاية إلى الإمام والحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم { السلطان ولي من لا ولي له }

التالي السابق


( قوله ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي حنيفة معناه عند عدم العصبات ) النسبية والسببية . والحاصل أن الولاية تثبت أولا لعصبة النسب على الترتيب الذي قدمناه ثم لمولى العتاقة ثم لعصبته على ذلك الترتيب بالاتفاق ثم بعد ذلك عند أبي حنيفة تثبت للأم ثم للبنت إذا كانت أمها مجنونة ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت [ ص: 286 ] البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم لولد الأم يستوي ذكورهم وإناثهم في ذلك ثم أولادهم .

قال المصنف في التجنيس معلما بعلامة فتاوى الشيخ نجم الدين عمر النسفي : غاب الأب غيبة منقطعة وله بنت صغيرة فزوجتها أختها والأم حاضرة يجوز إن لم يكن لها عصبة أولى من الأخت ، وليست الأم أولى من الأخت من الأب ; لأنها من قبل الأب ، والنساء اللواتي من قبل الأب لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماع بين أصحابنا ، وهي الأخت والعمة وبنت الأخ وبنت العم ونحو ذلك ، ثم قال المصنف : هكذا ذكر هنا ، وذكر في غيره من المواضع أن الأم أولى من الأخت الشقيقة ; لأنها أقرب ا هـ . قيل هذا يستقيم في الأخت لا العمة وبنت العم وبنت الأخ ; لأنهن من ذوي الأرحام وولايتهن مختلف فيها ، ومثل ما عنالشيخ نجم الدين النسفي منقول في المصفى عن شيخ الإسلام خواهر زاده ، ومقتضاه تقدم الأخت على الجد الفاسد وبعد أولاد الأخوات العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات ، والجد الفاسد أولى من الأخت عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث ، كذا في المستصفى . وقياس ما صحح في الجد والأخ من تقدم الجد تقدم الجد الفاسد على الأخت ثم مولى الموالاة وهو الذي أسلم على يد أبي الصغيرة ووالاه ; لأنه يرث فتثبت له ولاية التزويج ، ثم السلطان ثم القاضي إذا شرط في عهده تزويج الصغائر والصغار ، ثم من نصبه القاضي وإن لم يشرط فلا ولاية له في ذلك وهذا استحسان . وقال محمد : لا ولاية لذوي الأرحام ولا لمولى الموالاة ، وهو القياس ورواية الحسن عن أبي حنيفة ( وقول أبي يوسف مضطرب فيه والأشهر أنه مع محمد ) على ما في الهداية . وقال في الكافي : الجمهور أن أبا يوسف مع أبي حنيفة ، وفي شرح الكنز وأبو يوسف مع أبي حنيفة في أكثر الروايات ( لهما ما روينا ) يعني من قوله صلى الله عليه وسلم { الإنكاح إلى العصبات } أثبت لهم الجنس ، وليس من وراء الجنس شيء فيثبت لغيرهم فلا إنكاح لغيرهم .

( قوله ولأن الولاية إنما ثبتت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها ) أي إلى القرابة على تأويل الأقارب أو على المعنى المصدري ( وإلى العصبات الصيانة ) عن ذلك لا إلى غيرهم من ذوي الأرحام ; لأنهم ينسبون إلى قبيلة أخرى فلا يلحقهم العار بذلك ( ولأبي حنيفة أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة ) إذ مطلقها باعث على الشفقة الموجبة لاختيار الكفء وذوو الأرحام بهذه [ ص: 287 ] المثابة فإنا نرى شفقة الإنسان على ابنة أخته كشفقته على ابنة أخيه ، بل قد تترجح على الثانية ، ولا شك أن شفقة ذوي الأرحام ليست كشفقة السلطان ولا من ولاه فكانوا أولى منهم .

وأما قولهما إنما ثبتت الولاية صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها فالحصر ممنوع ، بل ثبوتها بالذات تحصيلا لمصلحة الصغيرة بتحصيل الكفء ; لأنها بالذات لحاجتها لا لحاجتهم ، وكل من ذوي الأرحام فيه داعية تحصيل حاجتها فثبتت له الولاية بهذا الاعتبار ، وإن ثبتت لغيره من العصبات بكل من حاجتها بالذات إلى ذلك وحاجته وستزداد وضوحا في مسألة الغيبة . ويدل عليه إجازة ابن مسعود تزويج امرأته بنتها وكانت من غيره على الأصح ، وأما إثبات جنس ولاية الإنكاح إلى العصبات في الحديث فإنما هو حال وجودهم ، ولا تعرض له حال عدمهم بنفي الولاية عن غيرهم ولا إثباتها فأثبتناها بالمعنى وقصة ابن مسعود ، وأيضا لا شك أنه خص منه السلطان ; لأنه ليس من العصبات لقوله { السلطان ولي من لا ولي له } أو بالإجماع فجاز تخصيصه بعد ذلك بالمعنى .

وهذا الوجه على تقدير تسليم تعرض الحديث لغير العصبات بالنفي وحجيته ، وقوله في قول محمد قياس وفي قول أبي حنيفة استحسان مع استدلاله بالحديث لمحمد ، وبالمعنى الصرف لأبي حنيفة يناقش فيه : بأن الاستحسان هو الذي يكون بالأثر لا القياس فإن شرطه أن لا يكون فيه نص . ويجاب بأنه على بابه ، والمراد أن ما ذكره محمد من الحكم في نفس الأمر قياس يقابله الاستحسان الذي قال به أبو حنيفة وأن محمدا ظنه خلافه من الاستحسان فاستدل بالحديث ، وقد ظهر أن لا متمسك له به وكان الأولى أن يجيب به المصنف . وحاصل بحثه معارضة مجردة وهي لا تفيد ثبوت المطلوب قبل الترجيح وقالوا : العصبات تتناول الأم ; لأنها عصبة في ولد الزنا وولد الملاعنة فتثبت لأهلها ، إلا أن أقارب الأب مقدمون .

( قوله وإذا عدم الأولياء ) أي كل من العصبات وذوي الأرحام ومولى الموالاة ( فالولاية إلى الإمام والحاكم ) أي القاضي بشرط أن يكتب ذلك في منشوره ، فلو زوج الصغيرة مع عدم كتب ذلك في منشوره ثم أذن له فيه فأجازه قيل لا يجوز وقيل يجوز على الأصح استحسانا .

[ فروع ] الأول ليس لولي الصغيرة ولاية تزويجها وإن أوصى إليه الأب بالنكاح إلا إذا كان الموصي عين [ ص: 288 ] رجلا في حياته للتزويج فيزوجها الوصي به كما لو وكل في حياته بتزويجها ، وإن لم يعين انتظر بلوغها لتأذن كذا قيل ، وليس بلازم ; لأن السلطان يزوجها إلا إذا كان الوصي قريبا فيزوجها بحكم القرابة لا الوصاية وإلا فالحاكم ، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية ، وفي أخرى له التزويج لقيامه مقام الأب . قلنا : إنما قام مقامه في المال . وقال مالك : إن أوصى إليه في التزويج جاز وهو رواية هشام عن أبي حنيفة .

الثاني لو زوج القاضي الصغيرة التي هو وليها وهي اليتيمة من ابنه لا يجوز . كالوكيل مطلقا إذا زوج موكلته من ابنه ، بخلاف سائر الأولياء ; لأن تصرف القاضي حكم منه وحكمه لابنه لا يجوز بخلاف تصرف الولي ، ذكره في التجنيس معلما له بعلامة غريب الرواية للسيد الإمام أبي شجاع ، والإلحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغنى عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه ، وكذا إذا باع مال يتيمه من نفسه لا يجوز لكل من الوجهين ، والأوجه ما ذكرنا ، بخلاف ما لو نصب وصيا على اليتيم ثم اشترى منه يجوز ; لأنه نائب عن الميت لا القاضي .

الثالث إقرار الولي على الصغير والصغيرة بالتزويج لم يصدق عند أبي حنيفة إلا ببينة أو يدرك الصغير فيصدقه ، معناه إذا ادعى الزوج ذلك عند القاضي وصدقه الأب ، وعندهما يثبت النكاح بإقراره . قال في المصفى عن أستاذه يعني الشيخ حميد الدين : إن الخلاف فيما إذا أقر الولي في صغرهما فإن إقراره موقوف إلى بلوغهما ، فإذا بلغا وصدقاه ينفذ إقراره وإلا يبطل ، وعندهما ينفذ في الحال وقال : إنه أشار إليه في المبسوط ، قال : هو الصحيح . وقيل الخلاف فيما إذا بلغ الصغير وأنكر النكاح فأقر الولي ، أما لو أقر بالنكاح في صغره صح إقراره ، كذا في المغني . وفي مبسوط شيخ الإسلام : إذا أقر الأب على الصغير والصغيرة على قوله لا يصدق إلا ببينة ، وإن صدقه الزوج في ذلك أو المرأة ، وعلى قولهما يصدق من غير بينة ، فإن قيل : على من تقام البينة ولا تقبل إلا على منكر يعتبر إنكاره والمنكر هو الصبي ، ولا عبرة بإنكاره والأب والزوج أو المرأة مقران ؟ قلنا : ينصب القاضي خصما عن الصغير أو الصغيرة حتى ينكر فيقيم الزوج البينة فيثبت النكاح على الصغير والصغيرة ا هـ كله من المصفى .

والذي يظهر أن قول من قال إن الخلاف فيما إذا بلغا فأنكر النكاح ، أما إذا أقر عليهما في صغرهما يصح بالاتفاق أوجه .

وإقرار وكيل رجل أو امرأة بتزويجهما وإقرار مولى العبد بتزويجه على هذا الخلاف ، فأما إقراره بنكاح أمته فنافذ اتفاقا .

الرابع في النوازل : امرأة جاءت إلى قاض فقالت أريد أن أتزوج ولا ولي لي ، فللقاضي أن يأذن لها في النكاح كما لو علم أن لها وليا . وبمثله أجاب أبو الحسن السغدي ، وما نقل فيه من إقامتها البينة فخلاف المشهور ، وما نقل من قول حماد بن أبي حنيفة يقول لها القاضي إن لم تكوني قرشية ولا عربية ولا ذات بعل فقد أذنت لك ، فالظاهر أن الشرطين الأولين محمولان على رواية عدم الجواز من غير الكفء ، وأما الشرط الثالث فمعلوم .

الاشتراط الخامس لا يملك الوصي ولا الأب تزويج عبد الصغير ، وكذا تزويج عبده من أمته ، كذا في الاستحسان وهو قول محمد ويملكان تزويج أمته




الخدمات العلمية