الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وسعى المدبر ، والمكاتب ) أي في المهر ولم يباعا فيه لأنهما لا يقبلانه مع بقائهما فيؤدى من كسبهما لا من أنفسهما وكذا معتق البعض وابن أم الولد قيدنا بكونه مع بقائهما لأن المكاتب إذا عجز ورد في الرق صار المهر في رقبته يباع فيه إلا إذا أدى المهر مولاه واستخلصه كما في القن وقياسه أن المدبر إذا عاد إلى الرق بحكم الشافعي ببيعه أنه يصير المهر في رقبته أيضا قيد بإذن المولى لأن المدبر ، والمكاتب إذا تزوجا بغير إذن فحكمهما كالقن إن كان قبل الدخول فلا حكم له ، وإن كان بعده ولم يجز المولى تأخر إلى ما بعد العتق ، وإن كانت جناية المكاتب في كسبه للحال لأن المهر حكم العقد وهو قول لا فعل ، وإن أجاز المولى فكما إذا أجاز قبله فيسعيان فيه وفي القنية : زوج مدبره امرأة ثم مات المولى فالمهر في رقبة العبد يؤخذ به إذا عتق ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر لأن حكمه السعاية قبل العتق لا التأخر إلى ما بعد العتق وحاصل مسألة مهر الرقيق أنه لا يخلو إما أن يكون ذكرا أو أنثى وكل منهما إما بإذن المولى أو لا وكل من الأربعة إما قبل الدخول أو بعده وكل من الثمانية إما أن يقبل البيع أو لا فهي ستة عشر .

                                                                                        ( قوله : وطلقها رجعية إجازة للنكاح الموقوف لا طلقها أو فارقها ) لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح فكان الأمر به إجازة اقتضاء بخلاف قول المولى تزوج أربعا أو كفر عن يمينك بالمال حيث لا تثبت الحرية اقتضاء لأن شرائط الأهلية لا يمكن إثباتها اقتضاء بخلاف النكاح لأن العبد أهل له لأنه من خصائص الآدمية ، وإنما لا يكون قول المولى له طلقها أو فارقها إجازة لاحتماله الإجازة ، والرد فحمل على الرد لأنه أدنى لأن الدفع أسهل من الرفع أو لأنه أليق بحال العبد المتمرد على مولاه فكانت الحقيقة متروكة بقرينة الحال كذا في العناية قيد بقوله : رجعية لأنه لو قال له طلقها بائنا لا يكون إجازة لأن الطلاق البائن يحتمل المتاركة كما في الطلاق في النكاح الفاسد ، والموقوف ويحتمل الإجازة فحمل على الأدنى كما في المحيط

                                                                                        وقيد بقوله لا طلقها لأنه لو قال أوقع عليها الطلاق كان إجازة لأنه لا يقال للمتاركة كما في فتح القدير وكذا إذا قال : طلقها تطليقة يقع عليها كما في التبيين ، والألف واللام في قوله للنكاح الموقوف للعهد الذكري أي نكاح العبد بغير إذن سيده احترازا عن نكاح الفضولي فإن قول الزوج للفضولي طلقها يكون إجازة لأنه يملك التطليق بالإجازة فيملك الأمر به بخلاف المولى ولأن فعل الفضولي إعانة كالوكيل ، والإعانة تنتهض سببا لإمضاء تصرفه بالإجازة [ ص: 207 ] وعدم الغاية بخلاف المتمرد على مولاه وهو مختار صاحب المحيط ومختار الصدر الشهيد ونجم الدين النسفي أنه ليس بإجازة فلا فرق بينهما فلذا عمم في المختصر في النكاح الموقوف لكن الأول أوجه كما في فتح القدير .

                                                                                        والحاصل أن الطلاق يستدعي سبق النكاح هذا هو الأصل وخرج عن الأصل مسألة العبد لما ذكرناه فلذا كان تطليق المدعى عليه نكاح بعد إنكاره إقرارا بالنكاح إلا إذا قال : ما أنت لي بزوجة وأنت طالق كما في البزازية

                                                                                        وقول المرأة لرجل طلقني إقرار بالنكاح الصحيح النافذ وتطليق واحدة من إحدى الفريقين إجازة لذلك الفريق فيما إذا زوجه فضولي أربعا في عقدة ثم زوجه ثلاثا في عقدة فبلغه فطلق إحدى الأربع أو إحدى الثلاث بغير عينها كذا في التبيين وعلى هذا الاختلاف إذا طلقها الزوج في نكاح الفضولي قيل يكون إجازة ، وقيل : لا وفي جامع الفصولين أن هذا الاختلاف في الطلقة الواحدة أما لو طلقها ثلاثا فهي إجازة وفاقا وقبل الاختلاف فيما لو طلقها قبل أن يبلغه الخبر

                                                                                        أما لو بلغه الخبر فقال : طلقها يكون إجازة وفاقا أقول : على تقدير أنه إجازة ينبغي أن تحرم عليه لو طلقها ثلاثا لأنه يصير كأنه أجاز أولا ثم طلق ا هـ .

                                                                                        وقد صرح به الزيلعي فقال : لأن كلام الزوج لا يصح إلا إذا حمل على وقوع الطلاق فيكون إجازة تصحيحا لكلامه ا هـ .

                                                                                        وقد علم مما قررناه أن قوله " طلقها أو فارقها " ، وإن لم يكن إجازة فهو رد فينفسخ به نكاح العبد حتى لا تلحقه الإجازة بعده وفي الخانية : لو قال المولى لا أرضى ولا أجيز كان ردا ولو قال : لا أرضى ولكن رضيت متصلا جاز استحسانا ا هـ .

                                                                                        وفي الولوالجية مكاتب أو عبد تزوج بغير إذن المولى ثم طلق كان ذلك ردا منه لأن الطلاق يقطع النكاح النافذ فلأن يقطع النكاح الموقوف أولى

                                                                                        فإن أجازه المولى بعد الطلقات الثلاث لم يجز النكاح لأنه أجاز بعد الفسخ ولو أذن له أن يتزوجها بعدما طلقها ثلاثا أو أجاز المولى النكاح بعد الطلقات كره له أن يتزوجها وقد طلقها ثلاثا ولو تزوجها لم يفرق بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : لا يكره أبو يوسف يقول بأن إجازة المولى لما كانت باطلة كان عدما ولو لم يجز المولى كان له أن يتزوجها ثانيا أذنه من غير كراهة بالإجماع فكذا هنا وهما يقولان الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء ، والإذن في الابتداء لو كان ها هنا موجودا صارت محرمة حقيقة فإذا وجدت صورة الإجازة في الانتهاء يجب أن يثبت به نوع كراهية ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة : ولو تزوجت أمة بغير إذن المولى فوطئها لم يكن نقضا للنكاح عند محمد وعن أبي يوسف أنه ينفسخ النكاح ا هـ .

                                                                                        وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فهل للمرأة فسخه قبل إجازة المولى صرح في الذخيرة بأن لها الفسخ في نظيره وهي ما إذا زوجت نفسها من صبي بغير إذن وليه وبه علم أنه كما للمولى فسخه لكل من العاقدين فسخه وأشار المصنف إلى أن الإجازة تثبت بالدلالة كما تثبت بالصريح فإن قول المولى طلقها رجعية إجازة دلالة وحاصله كما في البدائع أنها تثبت بالصريح وبالدلالة وبالضرورة فمن الصريح أجزت أو رضيت أو أذنت ونحوه

                                                                                        وأما الدلالة فهي قول أو فعل يدل على الإجازة كقول المولى بعد بلوغه الخبر حسن أو صواب أو لا بأس به أو يسوق إلى المرأة أو شيئا منه في نكاح العبد وأما الضرورة فنحو أن يعتق العبد أو الأمة فيكون الإعتاق إجازة ، وفي تلخيص الجامع قال المولى : أجزت إن زدت لي المهر فأبى فهو موقوف على حاله لأنه جواب على الزيادة فيقتصر الرد عليها وكذا لو قال : لا أجيز حتى تزيد إذ المغيا التوقف لأنه هو الذي يمتد وينتهي لا الرد وكذا لو قال إلا بزيادة لأنه تكلم بالباقي فإن قبل نفذ ، والزيادة كمهر المثل حتى تسقط بالطلاق قبل الدخول ولو قال : لا أجيز لكن زدني [ ص: 208 ] أو أجيز إن زدتني بطل العقد لأنه مقرر للنفي وكأنه قال : لا أجيز وسكت ولو أذن له بالنكاح لم يكن إجازة فإن أجازه العبد جاز ولو مات المولى قبل الإجازة فإن كانت أمة فإن ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح الموقوف

                                                                                        وإن ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت ، وقد وطئها أو كانت الأمة أخته من الرضاع أو ورثها جماعة فللوارث الإجازة ولو أجاز البعض دون البعض لم يجز النكاح كما في المحيط وفيه : لو تزوج المولى امرأة على رقبتها بطل النكاح الموقوف لأنه ملكها للمرأة ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر بل ينبغي أن يتوقف على إجازة المرأة كما لو باعها المولى من امرأة فإنهم قالوا إذا باعها المولى قبل الإجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث ، ولو باعها ممن لا تحل له فلم يجز حتى باعها ممن تحل له فأجاز لم يجز كذا في المحيط ، وفي الذخيرة ولو باعها على أنه بالخيار يفسخ النكاح لأنه ينفذ بالسكوت إذا مضت المدة ا هـ .

                                                                                        ومراده باعها ممن تحل له وعلى هذا قالوا : فيمن تزوج جارية غيره بغير إذنه ووطئها ثم باعها المولى من رجل أن للمشتري الإجازة لأن الزوج يمنع حل الوطء للمشتري ورده شمس الأئمة السرخسي بأن ما في الكتاب من أنه ليس له الإجازة صحيح لأن وجوب العدة إنما يكون بعد التفريق ، وأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل النكاح الموقوف ، وإن كان هو ممنوعا عن غشيانها ، وجعل هذا قياس المنع بسبب الاسترداد لا يمنع بطلان النكاح الموقوف فهذا مثله ، وجعل عدم صحة الإجازة في المحيط ظاهر الرواية وأن القول بالإجازة رواية ابن سماعة بناء على أن العدة غير واجبة في النكاح الموقوف في ظاهر الرواية ، وإن كان عبدا فمات المولى أو باعه قبل الإجازة فللوارث ، والمشتري الإجازة ، وفي جامع الفصولين : زوجها الغاصب ثم اشتراها فإن كان الزوج دخل بها صحت الإجازة وإلا بطل النكاح ، ولو ضمنها لا رواية فيه وينبغي أن يبطل النكاح لأن الملك بالضمان ضروري فلا يكفي لجواز النكاح كما لو حرر غاصب ثم ضمنه فإن قلت : قد ذكروا في الإجازة الصريحة لفظ أذنت

                                                                                        وقالوا : لو أذن له بالنكاح بعدما تزوج لا يكون إجازة فهل بينهما تناقض قلت : يحمل الأول على ما إذا علم بالنكاح ، فقال بعده : أذنت ، والثاني على ما إذا لم يعلم به ولم أر من صرح به ثم رأيت في المعراج إن أذنت من ألفاظ الإذن ا هـ .

                                                                                        يعني لا من ألفاظ الإجازة فلا إشكال وفي القنية : سكوت المولى عند العقد ليس برضا ، وفي الخلاصة : أذن لعبده أن يتزوج بدينار فتزوج بدينارين لا يجوز النكاح ، وفي مجموع النوازل : عبد طلب من مولاه أن يزوجه معتقة فأبى فتشفع أن يأذن له بالتزوج فأذن له فتزوج هذه المعتقة يجوز . ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفيه نظر . . . إلخ ) قال في النهر هذا مدفوع بأن ما في القنية فيه إفادة حكم سكتوا عنه هو أن المدبر إذا لزمته السعاية في حياة المولى فمات المولى هل يؤاخذ بالمهر بعد العتق ؟ قال : نعم وهو ظاهر في أنه يؤاخذ به جملة واحدة حيث قدر عليه ويبطل حكم السعاية ا هـ . قلت : أي المراد بيان أن المدبر إنما يسعى في حياة المولى لأن المهر تعلق بكسبه لا بنفسه لعدم إمكان بيعه أما إذا مات المولى فقيرا فإن المدبر يسعى أولا في ثلثي قيمته ثم بعد الأداء إلى الورثة يعتق فيطالب بالمهر لأنه تعلق برقبته أي بذمته فيطالب به بعد العتق جملة لا بحكم السعاية لأنه صار حرا .

                                                                                        والحاصل أنه يسعى أولا في فكاك رقبته ثم في دين المهر ( قوله : أو لأنه أليق بحال العبد المتمرد ) عطف على قوله لأنه أدنى ، وفي النهر على هذا ينبغي أنه لو زوجه فضولي فقال المولى لعبده : طلقها أنه يكون إجازة إذ لا تمرد منه في هذه الحالة ا هـ .

                                                                                        قلت : نعم لكن التعليل الأول أعم لإفادته أنه لا يكون إجازة في هذه الصورة [ ص: 207 ] ( قوله : وقال أبو يوسف لا يكره ) مثله في النهر واعترض عليه بعضهم بأنه مخالف لما في الفتح حيث ذكر الخلاف على عكس ما هنا لكن رأيت في التتارخانية ذكر الخلاف كما هنا معزيا إلى شرح السرخسي ثم نقل عن المنتقى عن أبي يوسف أنه يكره ا هـ .

                                                                                        وكذا رأيت الخلاف كما هنا في كافي الحاكم الشهيد ( قوله : إلى أن الإجازة تثبت . . . إلخ ) عبر الزيلعي بالإذن بدل الإجازة فقال : إذن السيد يثبت . . . إلخ وكذا في الفتح وبينهما فرق يدل عليه قول النهر في شرح قول المصنف إجازة النكاح لم يقل إذن لأنه لو كان لاحتاج إلى الإجازة ومن ثم قالوا لو زوجه فضولي فأذن المولى له بالنكاح فإذا أجازه العبد صح ا هـ .

                                                                                        وكذا قول الزيلعي ، والإذن في النكاح لا يكون إجازة فإن أجاز العبد ما صنع جاز استحسانا والذي يظهر [ ص: 208 ] في الفرق أن الإجازة ما يكون لأمر وقع ، والإذن ما يكون لأمر سيقع ويظهر من الفروع الآتية أيضا أن الإذن يكون بمعنى الإجازة إذا كان الآذن عالما بالأمر الواقع كما يفيده كلام المؤلف الآتي بعد صفحة وعلى ما قلنا من الفرق فالتعبير هنا بالإجازة أنسب من تعبير الزيلعي بالإذن .

                                                                                        ( قوله : أو أجيز أن زدتني ) الذي في التلخيص أو وأجيز بواو بعد أو قال الفارسي في شرحه أي ولو قال الولي : لا أجيز لكن زدني أو قال لا أجيز وأجيز إن زدتني بطل العقد أصلا رضي الزوج بالزيادة أم لم يرض لأن العطف مقرر للمعطوف عليه وهو نفي الإجازة فصار كأنه قال : لا أجيز وسكت ثم قال زدني أو وأجيز إن زدتني ( قوله : بطل النكاح الموقوف ) أي أي لطرو الحل البات عليه ( قوله : وفيه لو تزوج امرأة على رقبتها ) أي رقبة الأمة الموقوف نكاحها ( قوله : لأن الزوج يمنع حل الوطء للمشتري ) قال في الظهيرية لأنه لما دخل بها الزوج في الملك الأول وجب عليها العدة ، والمعتدة لا تحل لغير المعتد منه فهي لم تصر محللة للتملك الثاني فلا يفسد النكاح الموقوف فإذا أجاز كان صحيحا ( قوله : وإن كان عبدا ) معطوف على قوله فإن كانت أمة وحاصله أن في العبد يتوقف في الأحوال كلها على إجازة المشتري أو الوارث ، والتفصيل السابق في الأمة ( قوله : يعني لا من ألفاظ الإجازة ) مناف لما مر من عده من ألفاظ الإجازة فالأولى التوفيق بحمل ما في المعراج على ما إذا لم يعلم بالنكاح .




                                                                                        الخدمات العلمية