الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 217 ] ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ( 51 ) )

( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 ) صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ( 53 ) )

هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله ، عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن روح القدس نفث في روعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " .

وقوله : ( أو من وراء حجاب ) كما كلم موسى ، عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .

وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر بن عبد الله : " ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث ، وكان [ أبوه ] قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا .

وقوله : ( أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) كما ينزل جبريل [ عليه السلام ] وغيره من الملائكة على الأنبياء ، عليهم السلام ، ( إنه علي حكيم ) ، فهو علي عليم خبير حكيم .

وقوله ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) يعني القرآن ، ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) أي : على التفصيل الذي شرع لك في القرآن ، ( ولكن جعلناه ) أي القرآن ( نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ) ، كقوله : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] .

وقوله : ( وإنك ) [ أي ] يا محمد ( لتهدي إلى صراط مستقيم ) ، وهو الخلق القويم . ثم فسره بقوله : ( صراط الله [ الذي ] ) أي : شرعه الذي أمر به الله ، ( الذي له ما في السموات وما في الأرض ) أي : ربهما ومالكهما ، والمتصرف فيهما ، الحاكم الذي لا معقب لحكمه ، ( ألا إلى الله تصير الأمور ) ، أي : ترجع الأمور ، فيفصلها ويحكم فيها .

آخر تفسير سورة " [ حم ] الشورى " والحمد لله رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية