الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فإن عثر " فإن اطلع منهما أو ظهر .

وأصل " العثر " الوقوع على الشيء والسقوط عليه ، ومن ذلك قولهم : " عثرت إصبع فلان بكذا " إذا صدمته وأصابته ووقعت عليه ، ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس :


بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

[ ص: 180 ]

يعني بقوله : " عثرت " أصاب منسم خفها حجرا أو غيره . ثم يستعمل ذلك في كل واقع على شيء كان عنه خفيا ، كقولهم : (

عثرت على الغزل بأخرة     فلم تدع بنجد قردة

) ، بمعنى : وقعت .

وأما قوله : " على أنهما استحقا إثما " فإنه يقول - تعالى ذكره - : فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية بعد حلفهما بالله : لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله ، على أنهما استحقا إثما ، يقول : على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثما ، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خنا ولا بدلنا ولا غيرنا . فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئا ، أو غيرا وصيته ، أو بدلا فأثما بذلك من حلفهما بربهما " فآخران يقومان مقامهما " يقول ، يقوم حينئذ مقامهما من ورثة الميت ، الأوليان الموصى إليهما . [ ص: 181 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12959 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : " أو آخران من غيركم " قال : إذا كان الرجل بأرض الشرك ، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب ، فإنهما يحلفان بعد العصر . فإذا اطلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئا ، حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا ، ثم استحقوا .

12960 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله .

12961 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " أو آخران من غيركم " من غير المسلمين " تحبسونهما من بعد الصلاة " فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله : ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلا . فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما ، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله : " إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنا لم نعتد " . فذلك قوله : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " يقول : إن اطلع على أن الكافرين كذبا " فآخران يقومان مقامهما " يقول : من الأولياء ، فحلفا بالله : " إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنا لم نعتد " فترد شهادة الكافرين ، وتجوز شهادة الأولياء .

19262 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أي : اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حكم الله - تعالى ذكره - على الشاهدين [ ص: 182 ] بالأيمان فنقلها إلى الآخرين ، بعد أن عثر عليهما أنهما استحقا إثما .

فقال بعضهم : إنما ألزمهما اليمين ، إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى بغير الذي يجوز في حكم الإسلام . وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله ، أو أوصى أن يفضل بعض ولده ببعض ماله .

ذكر من قال ذلك :

12963 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " إلى قوله : " ذوا عدل منكم " من أهل الإسلام " أو آخران من غيركم " من غير أهل الإسلام " إن أنتم ضربتم في الأرض " إلى : " فيقسمان بالله " يقول : فيحلفان بالله بعد الصلاة ، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله - تعالى ذكره - من الفريضة ، يعني اللذين ليسا من أهل الإسلام " فآخران يقومان مقامهما " من أولياء الميت ، فيحلفان بالله : " ما كان صاحبنا ليوصي بهذا " أو : " إنهما لكاذبان ، ولشهادتنا أحق من شهادتهما " .

12964 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما ، يحلفان بالله : لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين " إن صاحبكم لبهذا أوصى ، وإن هذه لتركته : فإذا شهدا ، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا ، قال لأولياء الرجل : اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما ، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة ، أو أحدا يطعن عليهما ، رددنا شهادتهما . فينطلق الأولياء فيسألون ، فإن وجدوا أحدا يطعن عليهما ، أو هما غير [ ص: 183 ] مرضيين عندهم ، أو اطلع على أنهما خانا شيئا من المال وجدوه عندهما ، أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام ، وحلفوا بالله : " لشهادتنا أنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليها ، أحق من شهادتهما بما شهدا ، وما اعتدينا " . فذلك قوله : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " .

وقال آخرون : بل إنما ألزم الشاهدان اليمين ، لأنهما ادعيا أنه أوصى لهما ببعض المال . وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك ، إذا ارتابوا بدعواهما .

ذكر من قال ذلك :

12965 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال : حدثنا عبد الوارث بن سعد قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " قال : زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " . أي بدعواهما لأنفسهما " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " أن صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الشاهدين ألزما اليمين في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله ، ودعواهم قبلهما خيانة مال معلوم المبلغ ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما ، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما ، فيحلف الوارث حينئذ مع شهادة الشاهد عليهما ، أو على أحدهما ، إنما صحح دعواه إذا حقق حقه أو : الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادعى عليهما الوارث أو بجميعه ، ثم [ ص: 184 ] دعواهما في الذي أقرا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلا ببينة ، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بينة ، فينقل حينئذ اليمين إلى أولياء الميت .

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة ، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكما يجب فيه اليمين على الشهود ، ارتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها ، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرا لذلك ولا - إذا لم نجد ذلك كذلك - صح بخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا بإجماع من الأمة . لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله - تعالى ذكره - ، فيكون أصلا مسلما . والقول إذا خرج من أن يكون أصلا أو نظيرا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة ، كان واضحا فساده .

وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا ، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله ، أفسد من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم الله - تعالى ذكره - أن مدعيا لو ادعى في مال ميت وصية ، أن القول قول ورثة المدعي في ماله الوصية مع أيمانهم ، دون قول مدعي ذلك مع يمينه ، وذلك إذا لم يكن للمدعي بينة . وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما ، وإنما نقل الأيمان عنهم إلى أولياء الميت ، إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثما في أيمانهم . فمعلوم بذلك فساد قول من قال : " ألزم اليمين الشهود ، لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت من ماله " .

على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به حين نزلت هذه الآية ، بين الذين نزلت فيهم وبسببهم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 185 ]

12966 - حدثني ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء ، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم . فلما قدما بتركته ، فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب ، فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم وجد الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم الداري وعدي بن بداء ! فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " وأن الجام لصاحبهم . قال : وفيهم أنزلت : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " . [ ص: 186 ]

12967 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال : حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن أبي النضر ، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب ، عن ابن عباس ، عن تميم الدراي في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " قال : برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشأم قبل الإسلام . فأتيا الشأم لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة ، ومعه جام فضة يريد به الملك ، وهو عظم تجارته ، فمرض ، فأوصى إليهما ، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله . قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ، فقسمناه أنا وعدي بن بداء ، فلما قدمنا إلى أهله ، دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الجام ، فسألوا عنه ، فقلنا : ما ترك غير هذا ، وما دفع إلينا غيره : قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، وأديت إليهم خمسمائة درهم ، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها! فوثبوا إليه ، فأتوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 187 ] فسألهم البينة ، فلم يجدوا . فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه ، فحلف ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله : " أن ترد أيمان بعد أيمانهم " فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا ، فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء . [ ص: 188 ]

12968 - حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وابن سيرين وغيره قال : وثنا الحجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة دخل حديث بعضهم في بعض : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " الآية ، قال : كان عدي وتميم الداري ، وهما من لخم ، نصرانيان ، يتجران إلى مكة في الجاهلية . فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حولا متجرهما إلى المدينة ، فقدم ابن أبي مارية ، مولى عمرو بن العاص المدينة ، وهو يريد الشأم تاجرا ، فخرجوا جميعا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، مرض ابن أبي مارية ، فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ، ثم أوصى إليهما . فلما مات فتحا متاعه ، فأخذا ما أرادا ، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا ، ففتح أهله متاعه ، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئا ، فسألوهما عنه ، فقالوا : هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا . قال لهما أهله : فباع شيئا أو ابتاعه؟ قالا لا! قالوا : فهل استهلك من متاعه شيئا؟ قالا لا! قالوا : فهل تجر [ ص: 189 ] تجارة؟ قالا لا! قالوا : فإنا قد فقدنا بعضه! فاتهما ، فرفعوهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " إلى قوله : " إنا إذا لمن الآثمين " . قال : فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر : بالله الذي لا إله إلا هو ، ما قبضنا له غير هذا ، ولا كتمنا " . قال : فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب ، فقال : أهله : هذا من متاعه؟ قالا نعم ، ولكنا اشترينا منه ، ونسينا أن نذكره حين حلفنا ، فكرهنا أن نكذب أنفسنا! فترافعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت الآية الأخرى : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه . ثم إن تميما الداري أسلم وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يقول : صدق الله ورسوله : أنا أخذت الإناء ! [ ص: 190 ]

12969 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " الآية كلها . قال : هذا شيء كان حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة ، وكانت الأرض كلها كفرا ، فقال الله - تعالى ذكره - : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " من المسلمين " أو آخران من غيركم " من غير أهل الإسلام " إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " قال : كان الرجل يخرج مسافرا ، والعرب أهل كفر ، فعسى أن يموت في سفره ، فيسند وصيته إلى رجلين منهم " فيقسمان بالله إن ارتبتم " في أمرهما . إذا قال الورثة : كان مع صاحبنا كذا وكذا ، فيقسمان بالله : ما كان معه إلا هذا الذي قلنا " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أنما حلفا على باطل وكذب " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " بالميت " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين " ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا ، قال هؤلاء : لم يكن معه! قال : ثم عثر على بعض المتاع عندهما ، فلما عثر على ذلك ردت القسامة على وارثه ، فأقسما ، ثم ضمن هذان . قال الله تعالى : " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " فتبطل أيمانهم " واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين " الكاذبين ، الذين يحلفون على الكذب . وقال ابن زيد : قدم تميم الداري وصاحب له ، وكانا يومئذ مشركين ، ولم يكونا أسلما ، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجل ، وجاءا بتركته . فقال أولياء الميت : [ ص: 191 ] كان مع صاحبنا كذا وكذا ، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران : لم يكن معه إلا الذي جئنا به! فحلفا خلف الصلاة ، ثم عثر عليهما بعد والإبريق معهما . فلما عثر عليهما ، ردت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم ، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان .

12970 - حدثنا الربيع قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قال بكير ، قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله : " اثنان ذوا عدل منكم " أن رجلين نصرانيين من أهل دارين ، أحدهما تميمي ، والآخر يماني ، صاحبهما مولى لقريش في تجارة ، فركبوا البحر ، ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه ، من بين آنية وبز ورقة . فمرض القرشي ، فجعل وصيته إلى الداريين ، فمات ، وقبض الداريان المال والوصية ، فدفعاه إلى أولياء الميت ، وجاءا ببعض ماله ، وأنكر القوم قلة المال ، فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به ، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا ، فوضع فيه ، وهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا لا! قالوا : فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال ، ورفعوا أمرهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى آخر الآية . فلما نزل : أن يحبسا من بعد الصلاة ، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقاما بعد الصلاة ، فحلفا بالله رب السموات : " ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به ، وإنا لا نشتري بأيماننا [ ص: 192 ] ثمنا قليلا من الدنيا ، ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين " . فلما حلفا خلى سبيلهما . ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت ، فأخذ الداريان ، فقالا اشتريناه منه في حياته! وكذبا ، فكلفا البينة ، فلم يقدرا عليها . فرفعوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " فإن عثر " يقول : فإن اطلع " على أنهما استحقا إثما " يعني الداريين ، إن كتما حقا " فآخران " من أولياء الميت " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " فيقسمان بالله : " إن مال صاحبنا كان كذا وكذا ، وإن الذي يطلب قبل الداريين لحق ، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين " هذا قول الشاهدين أولياء الميت " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " يعني : الداريين والناس ، أن يعودوا لمثل ذلك .

قال أبو جعفر : ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا ، دليل واضح على صحة ما قلنا ، من أن حكم الله - تعالى ذكره - باليمين على الشاهدين في هذا الموضع ، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسند إليهما الوصية ، خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما ، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعى ذلك قبله إلا بيمين وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله - تعالى ذكره - ، بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقا إثما ، في أيمانهما ، ثم ظهر على كذبهما فيها ، إن القوم ادعوا [ ص: 193 ] فيما صح أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك ، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدعى ، وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل .

وفيها أيضا ، البيان الواضح على أن معنى " الشهادة " التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين ، كما قال الله تعالى في مواضع أخر : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، [ سورة النور : 6 ] . فالشهادة في هذا الموضع ، معناها القسم ، من قول القائل : " أشهد بالله إني لمن الصادقين " وكذلك معنى قوله : " شهادة بينكم " إنما هو : قسم بينكم " إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم ، إن كانا اتمنا على مال فارتيب بهما ، أو اتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما . وذلك أن الله - تعالى ذكره - ، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الآخرين ، قال : " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما " . ومعلوم أن أولياء الميت المدعين قبل اللذين ظهر على خيانتهما ، غير جائز أن يكونا شهداء ، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعى عليه لمدع . لأنه لا يعلم لله - تعالى ذكره - حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه ولا برهان . فإذ كان معلوما أن قوله : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " إنما معناه : قسمنا أحق من قسمهما وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما ، هو الشهادة التي ذكر [ ص: 194 ] الله - تعالى ذكره - في قوله : " أحق من شهادتهما " صح أن معنى قوله : " شهادة بينكم " بمعنى : " الشهادة " في قوله : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " وأنها بمعنى القسم .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " من الذين استحق عليهم الأوليان " .

فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشأم : من الذين استحق عليهم الأوليان ، بضم " التاء " .

وروي عن علي ، وأبي بن كعب ، والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك : من الذين استحق عليهم ، بفتح " التاء " .

واختلفت أيضا في قراءة قوله : " الأوليان " .

فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشأم والبصرة : ( الأوليان ) .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : ( الأولين ) .

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : " من الذين استحق عليهم الأولان " .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في قوله : " من الذين استحق عليهم " قراءة من قرأ بضم " التاء " لإجماع الحجة من القرأة عليه ، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله ، وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله : فآخران من أهل الميت ، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم ، [ ص: 195 ] يقومان مقام المستحقي الإثم فيهما ، بخيانتهما ما خانا من مال الميت .

وقد ذكرنا قائلي ذلك ، أو أكثر قائليه ، فيما مضى قبل ، ونحن ذاكرو باقيهم إن شاء الله ذلك :

12971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - تعالى ذكره - : " شهادة بينكم " أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران ، لا يحضره غير اثنين منهم . فإن رضي ورثته ما عاجل عليه من تركته فذاك ، وحلف الشاهدان إن اتهما : إنهما لصادقان " فإن عثر " وجد . . . . . . . . . ، حلف الاثنان الأوليان من الورثة ، فاستحقا وأبطلا أيمان الشاهدين .

وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح " التاء " أرادوا أن يوجهوا تأويله إلى : " فآخران يقومان مقامهما " مقام المؤتمنين اللذين عثر على خيانتهما في القسم ، و " الاستحقاق به عليهما " دعواهما قبلهما من " الذين استحق " على المؤتمنين على المال على خيانتهما القيام مقامهما في القسم والاستحقاق ، الأوليان بالميت . وكذلك كانت قراءة من رويت هذه القراءة عنه ، فقرأ ذلك : " من الذين استحق " بفتح " التاء " و " الأوليان " على معنى : الأوليان بالميت وماله . وذلك مذهب صحيح ، وقراءة غير مدفوعة صحتها ، غير أنا نختار الأخرى ، [ ص: 196 ] لإجماع الحجة من القرأة عليها ، مع موافقتها التأويل الذي ذكرنا عن الصحابة والتابعين .

12972 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن وكريب ، عن علي : أنه كان يقرأ : " من الذين استحق عليهم الأوليان " .

12973 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن واصل مولى أبي عيينة ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي بن كعب : أنه كان يقرأ : " من الذين استحق عليهم الأوليان " .

قال أبو جعفر : وأما أولى القراءات بالصواب في قوله : " الأوليان " عندي ، [ ص: 197 ] فقراءة من قرأ : ( الأوليان ) لصحة معناها . وذلك لأن معنى : " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " : فآخران يقومان مقامهما من الذي استحق ] فيهم الإثم ، ثم حذف " الإثم " وأقيم مقامه " الأوليان " لأنهما هما اللذان ظلما وأثما فيهما ، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم ، وعثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اتمنهما عليه الميت ، كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مثل ذلك ، من حذفهم الفعل اجتزاء بالاسم ، وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل . ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة ، وهو قوله : " شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان " ومعناه : أن يشهد اثنان ، وكما قال : " فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا " فقال : " به " فعاد بالهاء على اسم الله ، وإنما المعنى : لا نشتري بقسمنا بالله ، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر ، والمراد به : " لا نشتري بالقسم بالله " استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم . وكذلك اجتزئ ، بذكر " الأوليين " من ذكر " الإثم " الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إياهما ، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته ، وذلك قوله : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " .

وأما الذين قرءوا ذلك ( الأولين ) ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن " الذين " فأخرجوا ذلك على وجه الجمع ، إذ كان " الذين " جميعا ، وخفضا ، [ ص: 198 ] إذ كان " الذين " مخفوضا ، وذلك وجه من التأويل ، غير أنه إنما يقال للشيء " أول " إذا كان له آخر هو له أول . وليس للذين استحق عليهم الإثم ، آخرهم له أول . بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقا إثما قبل أيمانهم ، فهم إلى أن يكونوا إذ كانت أيمانهم آخرا أولى أن يكونوا " آخرين " من أن يكونوا " أولين " وأيمانهم آخرة لأولى قبلها .

وأما القراءة التي حكيت عن الحسن; فقراءة عن قراءة الحجة من القرأة شاذة ، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بعدها من الصواب .

واختلف أهل العربية في الرافع لقوله : " الأوليان " إذا قرئ كذلك .

فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنه رفع ذلك ، بدلا من : " آخران " في قوله : " فآخران يقومان مقامهما " . وقال : إنما جاز أن يبدل " الأوليان " وهو معرفة ، من " آخران " وهو نكرة ، لأنه حين قال : " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم " كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى ، فقال : " الأوليان " فأجرى المعرفة عليهما بدلا . قال : ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير ، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز :


علي يوم يملك الأمورا     صوم شهور وجبت نذورا


وبادنا مقلدا منحورا

[ ص: 199 ]

قال : فجعله : علي واجب ، لأنه في المعنى قد أوجب .

وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول : لا يجوز أن يكون " الأوليان " بدلا من : " آخران " من أجل أنه قد نسق " فيقسمان " على " يقومان " في قوله " فآخران يقومان " فلم يتم الخبر بعد " من " . قال : ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر . وقال : غير جائز : " مررت برجل قام زيد وقعد " و " زيد " بدل من " رجل " .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : " الأوليان " مرفوعان بما لم يسم فاعله ، وهو قوله : ( استحق عليهم ) وأنهما وضعا موضع الخبر عنهما ، فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما . وذلك أن معنى الكلام : " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الإثم بالخيانة " فوضع " الأوليان " موضع " الإثم " كما قال - تعالى ذكره - في موضع آخر : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر [ سورة التوبة : 19 ] ، ومعناه : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر [ ص: 200 ] وكما قال : وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ، [ سورة البقرة : 93 ] ، وكما قال بعض الهذليين .


يمشي بيننا حانوت خمر     من الخرس الصراصرة القطاط



وهو يعني : صاحب حانوت خمر ، فأقام " الحانوت " مقامه ، لأنه معلوم أن " الحانوت " لا يمشي! ولكن لما كان معلوما عنده أنه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه ، حذف " الصاحب " واجتزأ بذكر " الحانوت " منه . فكذلك قوله : " من الذين استحق عليهم الأوليان " إنما هو من الذين استحق فيهم خيانتهما ، فحذفت " الخيانة " وأقيم " المختانان " مقامها . فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر .

وأما قوله : " عليهم " في هذا الموضع ، فإن معناها : فيهم ، كما قال تعالى : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، [ سورة البقرة : 102 ] ، يعني : في [ ص: 201 ] ملك سليمان ، وكما قال : ولأصلبنكم في جذوع النخل [ سورة طه : 71 ] . ف " في " توضع موضع " على " و " على " في موضع " في " كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام ،

ومنه قول الشاعر :


متى ما تنكروها تعرفوها     على أقطارها علق نفيث



وقد تأولت جماعة من أهل التأويل قول الله - تعالى ذكره - : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " أنهما رجلان آخران من المسلمين ، أو رجلان أعدل من المقسمين الأولين

ذكر من قال ذلك :

12974 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن شريح في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال : إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على [ ص: 202 ] وصيته ، فأشهد يهوديا ، أو نصرانيا ، أو مجوسيا ، فشهادتهم جائزة . فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهم ، أجيزت شهادة المسلمين ، وأبطلت شهادة الآخرين .

12975 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن عثر " أي : اطلع منهما على خيانة ، على أنهما كذبا أو كتما ، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا أجيزت شهادة الآخرين ، وأبطلت شهادة الأولين .

12976 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : كان ابن عباس يقرأ : " من الذين استحق عليهم الأولين " قال : كيف يكون " الأوليان " أرأيت لو كان الأوليان صغيرين؟

12977 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان يقرأ : ( من الذين استحق عليهم الأوليان ) قال : وقال : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مقامهما؟

قال أبو جعفر : فذهب ابن عباس ، فيما أرى ، إلى نحو القول الذي حكيت عن شريح وقتادة ، من أن ذلك رجلان آخران من المسلمين ، يقومان مقام النصرانيين ، أو عدلان من المسلمين هما أعدل وأجوز شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين .

وفي إجماع جميع أهل العلم على أن لا حكم لله - تعالى ذكره - يجب فيه على شاهد يمين فيما قام به من الشهادة ، دليل واضح على أن غير هذا التأويل الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله - تعالى ذكره - : " فآخران يقومان مقامهما " أولى به . [ ص: 203 ]

وأما قوله " الأوليان " فإن معناه عندنا : الأولى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى . وقد يحتمل أن يكون معناه : الأولى باليمين منهما فالأولى ثم حذف " منهما " والعرب تفعل ذلك فتقول : " فلان أفضل " وهي تريد : " أفضل منك " وذلك إذا وضع " أفعل " موضع الخبر . وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه " الألف واللام " فعلوا ذلك أيضا ، إذا كان جوابا لكلام قد مضى ، فقالوا : " هذا الأفضل ، وهذا الأشرف " يريدون : هو الأشرف منك .

وقال ابن زيد : معنى ذلك : الأوليان بالميت .

12978 - حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية