الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 36 ] مسألة : قال : ( ومباح لمن جامع بالليل أن لا يغتسل حتى يطلع الفجر ، وهو على صومه ) وجملته ، أن الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ، ثم يغتسل ، ويتم صومه ، في قول عامة أهل العلم ، منهم علي ، وابن مسعود ، وزيد ، وأبو الدرداء ، وأبو ذر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وأم سلمة رضي الله عنهم . وبه قال مالك والشافعي ، في أهل الحجاز ، وأبو حنيفة ، والثوري ، في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام ، والليث ، في أهل مصر ، وإسحاق ، وأبو عبيدة ، في أهل الحديث ، وداود ، في أهل الظاهر . وكان أبو هريرة يقول : لا صوم له . ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه ، قال سعيد بن المسيب : رجع أبو هريرة عن فتياه .

                                                                                                                                            وحكي عن الحسن ، وسالم بن عبد الله ، قالا : يتم صومه ويقضي . وعن النخعي في رواية : يقضي في الفرض دون التطوع . وعن عروة ، وطاوس : إن علم بجنابته في رمضان ، فلم يغتسل حتى أصبح ، فهو مفطر ، وإن لم يعلم ، فهو صائم . وحجتهم حديث أبي هريرة ، الذي رجع عنه . ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : { ذهبت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة ، فقالت : أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا ، من جماع ، من غير احتلام ، ثم يصومه } . ثم دخلنا على أم سلمة ، فقالت مثل ذلك ، ثم أتينا أبا هريرة ، فأخبرناه بذلك ، فقال : هما أعلم بذلك ، إنما حدثنيه الفضل بن عباس . متفق عليه . قال الخطابي : أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ ; لأن الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم ، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر ، جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم . وروت عائشة { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أصبح جنبا ، وأنا أريد الصيام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أصبح جنبا ، وأنا أريد الصيام ، فقال له الرجل : يا رسول الله ، إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتقي } . رواه مالك ، في ( موطئه ) ومسلم في ( صحيحه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية